١‏/٨‏/٢٠٠٩

المنشد يحيى حوا :أسعى لتحويل النشيد إلى وسيلة للتفاؤل


يرى المنشد السوري يحيي حوَّا أن النشيد الإسلامي حقق مكاسب كبيرة خلال الفترة الأخيرة باعتباره إحدى وسائل الدعوة إلى الله والترفيه في وقت واحد ، وذلك في مواجهة الأغاني الخليعة التي بدأت في الانتشار خلال الفترة الأخيرة ، معتبرًا أن رقعة النشيد زادت بشكل كبير مؤخرًا ، مرجعًا ذلك إلى انتشار القنوات الفضائية المتخصصة في الأناشيد والتي اعتبرها أحدثت طفرة في عالم النشيد بشكل لاحظه الجميع ، كما اعتبر تأخر شهرته أمرًا ليس مقلقًا بالنسبة له ، معربًا عن سعادته بالإنشاد أمام جموع كبيرة من غير العرب ، ولفت إلى أن مستمعيه في إحدى حفلاته في " قيرغيزيا " بكوا تأثرًا بإنشاده الذي ذكَّرهم بالله – تعالى- والرسول – صلى الله عليه وسلم – رغم عدم معرفتهم باللغة العربية إطلاقًا .
وأشار حوا إلى أن نشيده " قلبي شدا" كان مدخله للتعرف على الناس ، ولا يعتبر ارتباط المنشد بأحد أناشيده عيبًا أو نقيصة . كما دعا المنشدين إلى الاهتمام باختيار كلمات أناشيدهم بعناية حتى يستطيعوا توصيل الفكرة والهدف الذي دخلوا من أجله مجال النشيد الإسلامي .

· رغم بدايتك في عالم النشيد منذ فترة إلا أن الناس لم تتعرف عليك إلا منذ عدة سنوات .. فلماذا تأخرت شهرتك ؟
**بداية أنا لم أدخل هذا المجال من أجل الحصول على الشهرة ؛ فالشهرة بالنسبة لي تحصيل حاصل ، والله تعالى أكرمني بالشهرة في وقت متأخر بالفعل ، حيث كانت بدايتي في احتراف النشيد عام 1994 م ، في حين لم يعرفني أغلب جمهوري إلا في عام 2005 م، أي أني بقيت لمدة 11 عامًا في ساحة النشيد قبل أن يتعرف الناس علي بالشكل الحالي .
ولابد أن أشير إلى أن إحدى الوسائل التي نقلتني من المحلية إلى العالمية هي القنوات الفضائية التي اهتمت بإذاعة أناشيدي وبالتحديد " قلبي شدا " ، الذي عرض على تلك القنوات بكثافة مما كان له دور كبير في نقلي إلى عدد كبير من المشاهدين .
· وهل كنت منزعجًا من تأخر شهرتك ؟
**المنشد الذي يخوض هذا المجال لمجرد تحقيق الشهرة وتعرُّف الناس عليه سوف يتأثر – بالطبع- لتأخر الشهرة ، أما بالنسبة لي فالأمر كان طبيعيًّا للغاية ، ولم أتأثر لذلك إطلاقًا ، فأنا أقدم رسالة وأسعى لتعريف أكبر عدد من الناس بها ، فإذا يسر الله وأراد أن يتعرف عليها الناس فهذا فضل من الله ، وإلا فإن المنشد يقدم ما عليه ، وسيسأله الله عمَّا قدم وليس كم شخصًا استمع إلى أناشيده .

· يعرفك جمهورك بأنك صاحب رسالة وتوجُّه ترغب في أن تنقله إلى مستمعيك .. فما الرسالة التي ترغب في توصيلها للناس ؟
**أحمل في قلبي رسالة النشيد التي تدعو إلى التفاؤل وبث الأمل وأن تكون الحياة مشرقة في واقع المسلمين ، وهذه رسالتي التي ألتزم بتحقيقها ، وأدعو جميع المنشدين إلى التحلي بها .
· هل أفهم من كلامك أن النشيد يجب أن يخرج من الشكل التقليدي الحزين الذي يحمل الشجن والأسى إلى صورة أكثر تفاؤلا ؟
** بالفعل أسعى إلى إخراج النشيد من فلك الحزن والبكاء والتباكي ، فالحياة جميلة ، والله خلقنا كي نعيش فيها ونتحدى الأحزان ، ونسعى إلى تعبيد الحياة كلها لله ، وتحويلها إلى حياة صالحة ترضي الله ورسوله ، وأذكر هنا كلمة للشيخ الداعية عائض القرني حين قال: " نريد أن نتعلم كيف تكون الحياة في سبيل الله " فنحن دائمًا نتحدث عن الموت في سبيل الله ، فلماذا لا نسعى إلى الحياة في سبيل الله تعالى وتعليم الناس ذلك ؟ علمًا بأن الحياة في سبيل الله مهمة عظيمة للغاية ، وتحقيقها له فضل كبير عند الله تعالى ، فضلاً عن أنها أصعب من الموت في سبيل الله .

· هل تشعر أنك قدمت إسهامًا ما في عالم النشيد خلال تلك الفترة التي شاركت فيها في هذا المضمار ؟
**بفضل الله .. لي بصمة خلال الأربعة عشر عامًا التي شرُفت خلالها بالعمل في هذا الميدان ؛ عن طريق نشر التفاؤل والأمل ، وأعتقد أن أهم بصمة وضعتها في عالم النشيد هي أنشودة " حياتي كلها لله " والتي تدعو إلى أن يجعل الإنسان حياته كلها لله ، وحرصت فيها على أن تكون للكبار والصغار ، ومن أجل ذلك استعنت بابن أختي لتصويرها معي تليفزيونيًّا ؛ لأن الطفل يصل إلى أقرانه الأطفال بسهولة ويسر .

· بمناسبة الحديث عن الأطفال .. ألم تجرب الإنشاد للأطفال بشكل خاص ؟
** لم أجرب تقديم نشيد خاص للأطفال ؛ لأن ذلك صعب وخطير ، ولكني قدمت أعمالاً للأطفال وغيرهم ، فالتعامل مع الأطفال يحتاج إلى استعداد من نوع خاص ، بعكس ما يعتقد البعض أن أسهل الأعمال هي التي تقدم للأطفال ، ولكني أعتبر العمل للأطفال بمثابة السهل الممتنع.

· عرفك الناس بنشيد " قلبي شدا " ومن يسمع اسمك لابد أن يتذكر هذا النشيد .. فكيف تقيِّم ارتباط المنشد بنشيد يعرفه الناس به ؟
**أرى أن الارتباط بنشيد واحد لا يمثل مشكلة ، بل هو شهادة نجاح للمنشد تعني أنه أنتج نشيدًا ما زال راسخًا في الأذهان ، وبالنسبة لي فلست قلقًا من ارتباطي بنشيد واحد. وأعتقد أن ربط المنشد بنشيد معين ليس عيبًا أو نقيصة في حقه ، فهذا النشيد بمثابة أحد أبنائه أنشده وهو مقتنع به ، فإذا بقي الارتباط به فليست هناك أي مشكلة .
· أنشدتَ في عدد من البلاد غير الإسلامية واستمعتْ إليك أعداد من غير العرب .. فكيف استقبل هؤلاء النشيد الإسلامي رغم عدم إلمامهم باللغة العربية ؟
**حين حضرت حفلات في بلاد غير عربية كنا نفاجأ بالتجاوب الكبير مع النشيد الإسلامي رغم أن معظمهم لا يفهم كلمات الأناشيد، ففي إحدى حفلاتي في " قيرغيزيا " كان نحو 90% من الحضور لا يتحدثون العربية أو يفهمونها ، ورغم ذلك كان البكاء منتشرًا بين الحضور بشكل غير طبيعي ، فسألت منظم الحفل عن سبب بكائهم رغم عدم معرفتهم بالمعنى فقال لي : بمجرد أن ذكرتَ اسم الله – تعالى- ، واسم الرسول – صلى الله عليه وسلم – تحركت مشاعرهم وانهمروا في بكاء متواصل ، فهم يأتون للتزود بشحنات إيمانية .
فالنشيد الإسلامي باب مهم من أبواب الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وفي النشيد تكون تلك الدعوة إلى الله في ثوب قشيب ، وهو أيضًا باب للترفيه الحلال .

· يمر النشيد بعدد من المراحل حتى يصل إلى المتلقي .. فما أصعب مراحل النشيد ؟
**الكلمة واختيارها هي المرحلة الأصعب في إنتاج النشيد الإسلامي ، وأنا شخصيًّا أختار كلماتي بعناية ، وأكون واضعًا عددًا من الأفكار في ذهني ، وأختار الكلمات التي تلبي هذه الأفكار وتعبر عنها بشكل صادق .
وفي بعض الأحيان أختار كلمات لم تكن قد طرأت أفكارها في ذهني ، ومباشرة أعرضها على الشاعر سليم عبد القادر الذي أعتبره بمثابة المرجعية الشعرية لي ، والذي أستشيره في كل ما يتعلق بالأناشيد التي أعتزم تقديمها ، ومن هنا أدعو المنشدين إلى أن يكون لكل منهم مرجع شعري وفني ، وبصراحة يعاني بعض المنشدين من أزمة في اختيار كلمات جيدة ينشدونها ، في حين لا يعاني البعض الآخر- وأنا منهم – من اختيار كلمات مناسبة للنشيد تكون معبرة عن المعاني التي يرغبون في تقديمها للجمهور . مع العلم بأن الكلمة التي تصلح للنشيد قليلة للغاية ، فليس كل شعر يصلح أن يُنشد ، فالكلمة الإنشادية لابد أن تكون سهلة النطق عميقة المعنى حتى تترسخ في أذهان المستمعين ، وتبقى في وجدانهم .

· وكيف ترى توجه بعض المنشدين إلى التخصص في أداء النشيد .. بمعنى اتجاه البعض إلى إنشاد المعاني الإيمانية ، في حين يتجه آخرون إلى الحماسيات وهكذا ؟
**أرى أن ذلك الاتجاه له سلبيات وإيجابيات ؛ إلا أن إيجابياته أكثر ، فأن يتخصص المنشد في أداء نوع معين من الإنشاد ويؤدي فيه بشكل متميز أفضل بشرط أن يكون ملمًّا بباقي ألوان النشيد ويعرف كيف يقدمها . وأعتقد أن التخصص مطلوب في النشيد ويتيح للمنشد الفرصة في الإتقان وإبراز كل مواهبه في أداء النشيد وتوصيله للناس بشكل مناسب مؤدٍ للدور المطلوب منه . وأنا شخصيًّا أعتقد أني أتخصص في النشيد الفكري الدعوي ، وأجد نفسي فيه .

· بعض الأناشيد يشعر المتلقي أن وراءها فكرًا وهدفًا في حين ينعدم ذلك في بعضها الآخر .. فلماذا يغيب الهدف عن أذهان بعض المنشدين ؟
**أعتقد أن ثقافة المنشد هي العامل المهم في اختياره لكلماته ، ولا أنكر أيضًا أن ذلك يعود إلى عدة عوامل أخرى منها مكان إقامته وأسلوبه في الحياة ، ومدى اعتباره للنشيد رسالة وفكرة وليس مجرد عمل يتكسب منه ماليًّا .

· القنوات الفضائية الإنشادية بعثت حيوية كبيرة في مجال النشيد الإسلامي .. كيف تقيِّم دور هذه القنوات في إثراء النشيد الإسلامي ؟
**القنوات الفضائية الإنشادية قفزت بالنشيد الإسلامي خطوات جيدة ، ونقلته إلى مربع جديد قريب من قلوب الناس وأسماعهم ، ولكني أرى أنه ما زال أمامها الكثير في عرض الأناشيد بأشكالها المختلفة وعدم الاقتصار على قوالب معينة ، بالإضافة إلى دورها المنتظر في تحقيق الانطلاق للنشيد الإسلامي إلى العالمية ، وإذا كانت قناتان أو ثلاث أثرت بهذا الشكل في نشر النشيد الإسلامي فكيف سيكون الحال إذا زادت هذه القنوات وأصبحت مقاربة للقنوات التي تذيع وتنتج الأغاني ؟ وأعتقد أن انتشار هذه القنوات توافق مع زيادة رقعة الالتزام والتدين في أنحاء العالم الإسلامي مما أسهم في انتشارها وتزايد الإقبال عليها ।

· هل توافقني إذًا في أن رقعة النشيد الإسلامي قد زادت وتزايدت أعداد المعجبين به والمؤمنين بدوره ؟
**بالطبع ، وهذا الانتشار واضح تمامًا - بفضل الله - في الفترة الأخيرة ، حيث بدأت أعداد المستمعين للنشيد تتزايد بشكل كبير للغاية ، ويكفي للتدليل على ذلك أنه فيما مضى كنا نقف في حفل الإنشاد لنلقي أناشيدنا أمام ألفين أو ثلاثة آلاف مشاهد على الأكثر وكان المنشد وقتئذ في منتهى السعادة لحضور هذا العدد الكبير للاستماع إليه ؛ أما الآن فحضور حفلات الأناشيد يقدر بعشرات الألوف ، فآخر حفل لي في بريطانيا حضره 50 ألف شخص ،وقبله في الجزائر كان عدد الحضور 25 ألفًًا في استاد رياضي ، وهذا تطور كبير خاصة إذا دققت في نوعية الحضور ، حيث بدأ يحضر الحفلات شباب من المتدينين ومن غيرهم ، وهذا نجاح للنشيد الإسلامي في أن يصل إلى فئات ليست على قدر من الالتزام وتحرص – رغم ذلك – على الاستماع للنشيد الإسلامي .

· هناك ملاحظة غريبة ظهرت في الآونة الأخيرة وهي ازدياد إنتاج والإقبال على أغاني الفيديو كليب في نفس الوقت الذي تنتشر فيه الأناشيد الإسلامية .. فكيف تفسر هذه الظاهرة ؟
**هذه الظاهرة ليست جديدة ، بل هي انعكاس عادي لظاهرة التدافع بين الحق والباطل ، تلك السنة الكونية التي أقرها الله في الأرض منذ القدم ، ولكني أعتقد أن النشيد الإسلامي يقف في المواجهة بشكل جاد وينافس تلك الأغاني المنحلة ويكسب منها أرضًا يومًا بعد يوم .

ليست هناك تعليقات: