١‏/٨‏/٢٠٠٩

إلى الزكي الطيب... إلى النبي


جبال شاهقة وسهول ووديان ومرتفعات تلك التي تفصل بين مكة والمدينة ॥ لم تكن الرحلة بسيطة بالنسبة لنا رغم الأتوبيس المكيف الذي نستقله ؛ فما بالك بالرحلة التي قطعها النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الصديق ।
بالفعل لا يعرف حجم الجهد والعناء الذي بذله النبي الكريم وصحبه في تبليغ هذه الرسالة إلى شعاب الأرض إلا من زار هذه الديار وتعرف على دروبها الشاقة .
وأنا في طريقي إليه كانت الرهبة تسيطر علىّ تمامًا من تصوري للوقوف بين يديه بعد قليل ، فماذا سأقول لرسول الله ؟
ماذا أقول لرسول الله ؟ سؤال ظل يتردد في خاطري منذ أن بدأت في المسير نحو النبي الكريم ..
هل سأحدثه عن المعاصي التي أرتكبها ليل نهار ؟
هل سأخبره بتفريطي في حق الله وتقصيري في تطبيق سنته المشرفة ؟
هل سأنبئه بعدم التعرف على سيرته أو تطبيق ما استفدته منها ؟
وماذا سأفعل لو سألني رسول الله عن الدين .. ماذا حدث له ؟
وكيف سأتصرف إذا طالبني بالكشف عن أسباب التخلف الذي نعيش فيه وحالة الاستكانة المميتة التي نحياها منذ قرون طويلة ؟
كيف سأرد إذا سئلت عن سنة النبي وهدْيه ؟
ما الحل إذا أعطاني رسول الله مهلة لأحدثه عن أحوال شبابنا ونسائنا وأطفالنا الذين أصبح أهم اهتماماتهم الشات والبلوتوث ؟
وأين سأذهب من الصدّيق إن سألني عن عمري الذي ضاع من دون أن أقدم شيئًا لهذا الدين ؟
وكيف سأفلت إذا أمسك الفاروق بتلابيبي زاجرًا إياي بسبب حالة الموات التي نعيش فيها منذ أن ولدنا إلى أن نموت؟
خشيت من رسول الله لأني ضعيف مقصر لم أقم بما أمرنا به .
أحسست بالرهبة ؛ وكان الأوْلى أن يكون الشوق فقط هو المسيطر على مشاعري في تلك اللحظات التي كنت فيها على مشارف مدينة رسول الله .
ولكنى سأقول لرسول الله ، وقلبي يمتلئ بالخجل ، عذرًا حبيب الله لأنا أضعنا الدين والدنيا ..
وسأسأله : هل ستشفع لنا رغم هذه الأوزار المتراكمة التي نحملها ؟
أعتقد أن عفو الله وكرم رسول الله أكبر من أن يقفا عند حدود معاصينا وشهواتنا وعجزنا .
إلى رحاب الطيب
على أبواب المدينة تذكرت ذلك الحب الذي كان يربط بين قلوب أصحاب النبي الكريم ؛ وهذا الإخلاص الذي أدى إلى إنشاء الأعراب دولة في قلب الصحراء طبقت شهرتها وسيطرتها الآفاق . ولم يكن لها أن تقوم إلا بين أناس جيّش الحب جيوشهم ، ونظّم الإيمان صفوفهم .
وأعتقد أنه من المؤكد أن مجدنا لن يعود إلينا إلا إذا أعدنا الحب إلى مقدمة الصفوف .
يقينًا .. إذا ذكرت المدينة تذكرت الهجرة والمشقة التي تكبدها المسلمون خلالها .
إذا دخلت المدينة طالعك مسجد قباء ، ورائحة المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين ، وتذكرت على الفور عفة نفس عبد الرحمن بن عوف حين رفض أن يأخذ من أخيه شيئًا ، ولا تستطيع نسيان كرم أبى أيوب الأنصاري ، وتبليغ أول سفير للإسلام الدعوة إلى أهل يثرب وترحيبهم به وبنبيه المصطفى الكريم .
وإذا دنوت من تلك الديار ستجد نواة الدولة التي شيدها النبي ، ومركز إيفاد السرايا والغزوات .
هنا كانت ترسم الخطط وتجيّش الجيوش ، في نفس الوقت الذي كانت وشائج الحب والإخاء تزداد عراها يومًا بعد يوم ..
إذن .. لبيك رسول الله
موعد مع النبي
وتحت القبة الخضراء السامقة الزاهية وقفت أتأمل الروعة والبهاء والحسن والجمال .. وفى نفس اللحظة التي استشرفت فيها عبق المشهد النبوي؛ طالعت روعة الحب ودموع الندم ولهيب الشوق وصحوة الإيمان.
وبعد أن استمعت إلى الشيخ على بن عبد الرحمن الحذيفى ، الذي طالما أنصتّ إلى صوته الشجي القوى منذ الطفولة ، واصطففت في الصلاة خلفه إلى جوار آلاف الموحدين ، الذين تراصّوا في صفوف نحسب أنها في نفس المكان الذي وقف فيه أصحاب النبي خلفه في صلواتهم ، فلربما وقف أحدنا مكان قدم عثمان أو بجوار المكان الذي كان يقف فيه بن رباح ، أو الذي كان يفضله بن مسعود ، أو الذي كان يأوي إليه عمار بن ياسر .
وبعد الصلاة كنت على موعد مع النبي الكريم في روضته الشريفة ، ذلك المكان الذي تشرّف بحمل جثمان النبي وصحبيه الكريمين رضي الله عنهما .
استجمعت شجاعتي ودخلت إلى حيث يأوي رسول الله ، خير البشر ، وأطهر الخلق ..
يا إلهي .. أأنا الآن أقف أمام قبر من خرت له الملوك والأمراء ، وتجمع حوله الفقراء والأغنياء ، وتبعه السادة والعبيد ؟ ولا أخفى أنه رغم الفرحة التي كنت أشعر بها إلا أنني كنت أخشى من ألا أكون ذلك الشخص الذي يستحق أن يقف أمام ذاك النبي الكريم ..
وكانت الفرصة سانحة لأن أصلى في الروضة ركعتين " بين قبري ومنبرى روضة من رياض الجنة " ، نعم .. صليت إلى جوار قبر النبي مباشرة ، طلبت منه الشفاعة لي وللمسلمين ، ورجوته أن يتقبل سلامنا وتحياتنا ، وألا يحول التقصير دون القبول .
إنها لحظات بديعة من النقاء الروحي والصفاء النفسي الذي لا يُتوقع أن أعتي أصحاب القلوب قسوة ورعونة يمكنه أن يمنع عبراته من الانسكاب فيها ، أو أن يحجب مشاعره عن أن تفيض معترفة بالشوق والوجد إلى حبيب الله .
والسؤال الذي طرحته على نفسي قبل الانصراف من عند النبي .. ترى .. هل نعود إلى الحياة من جديد بعد زيارة النبي ؟ وهل تفجر فينا تلك الجولة النورانية الخاطفة روحًا جديدة يملؤها الإيمان واليقين ؟
وهل تتحول تلك المشاعر إلى بوصلة توجه مساراتنا وتضبطها إلى حيث يرضى الله ورسوله ؟
سلامًا يا رسول الله من أحد الملايين التي تدرك أنك أفضل الخلق إلا أنها كانت تنتظر زيارتك لتبثك أشواقها ، وتحية لك يا خير خلق الله من قلب طالما رني إلى طيفك الرائع ؛ متمنيًا أن يسعده الله بأن يراك في الدنيا قبل الآخرة .

ليست هناك تعليقات: