١٤‏/١٠‏/٢٠٠٧

لماذا يحتفل المصريون في أعيادهم .. بالطعام؟

تمثل المناسبات لدى كل مجتمع منظومة وتراثا هائلا .. وما أكثر المناسبات التي يحتفل بها المصريون، من أعياد دينية ومناسبات وطنية وأعياد متوارثة منذ عصور الفراعنة مثل شم النسيم ووفاء النيل وغيرها

وفى هذه الأيام التي يستقبل فيها المسلمون عيد الفطر المبارك بدأت البيوت المصرية في إعداد الكعك والبسكويت والغرّيبة وغيرها من الأصناف التي تميز المائدة المصرية في عيد الفطر
الطريف أن ارتباط العيد بالطعام عند المصريين لا يتوقف على عيد الفطر وحده، بل يمتد ليشمل معظم إن لم تكن كل المناسبات

ارتباط وثيق

ويأتي ارتباط تلك المناسبات -باستثناء الوطنية- لدى المصريين بالمأكولات مدهشًا، ففيما عدا عيد الأضحى الذي يشترك فيه المسلمون في جميع انحاء العالم بتناول اللحوم فهناك "عاشوراء" التي يتم إعداد نوع من المأكولات يحمل اسم المناسبة ، وفى المولد النبوي الشريف لا بد من حلويات المولد، وفى رمضان يكاد لا يمر يوم دون أكل الكنافة والقطايف
أما شم النسيم اقترن بالفسيخ في الأساس ثم تطور الأمر للرنجة والبصل والخس والملانة وغيرهاولكن ما السبب في ارتباط المأكولات بمناسبات معينة ؟ وهل ظاهرة ارتباط مناسبة معينة بنوع معين من الطعام تتجه إلى الانقراض؟ وما علاقة هذه الظاهرة بالتغيرات الاجتماعية؟
هذه الأسئلة وغيرها حاولنا الإجابة عنها من خلال هذا التحقيق

في البداية نشير إلى أن المجتمع المصري يهتم بالطعام اهتماما فائقا ، فتخصص له الأسر مبالغ كبيرة .. وتشير الإحصاءات إلى أن انفاق الأسر الفقيرة على الطعام يلتهم من 67:61% من متوسط إنفاقها، بينما تنفق العائلات التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى 56.33% من دخلها على الطعام

ظاهرة عالمية

يؤكد الدكتور مجدي نزيه - مسئول التثقيف الغذائي بمعهد التغذية بالقاهرة- أن ارتباط المناسبات بنوع معين من الطعام شئ معروف في العالم كله لا سيما في البلاد ذات الجذور التاريخية القديمة مثل مصر والصين والعراق الهند، فهذه المجتمعات ترتبط مناسباتها الاجتماعية والدينية بالعادات الغذائية ولكن يبقى لكل مجتمع تميزه وسلوكياته الغذائية الإيجابية والسلبية

وحول فائدة بعض المأكولات التي يتناولها المصريون في مناسباتهم يضيف خبير التغذية أن معظم الأكلات التي يتناولها المصري في المناسبات تتمتع بقيمة غذائية
فالعاشوراء مفيدة لأنها تتكون من القمح وجنينه المحتوى على فيتامين E
أما الفسيخ والملوحة وباقي الوجبات التي ترتبط بشم النسيم فيمكن تناولها بأسلوب صحي جدا إذا تم صنعها في المنزل وتناولها الشخص مع كثير من الليمون وكميات وفيرة من البصل مما يضفي عليها بعدا وقائيا وقد كتب المؤرخ "هيرودوت" عجبت للمصريين .. كيف يمرضون ولديهم البصل والليمون ؟

ويضيف : لابد أن يراعي المستهلك احتياجاته الغذائية المناسبة لسنه وجنسه ونشاطه اليومي ويجب الابتعاد عن المأكولات التي تحتوي على ملوثات حيوية أو كيماوية والخطأ الوحيد في ارتباط المناسبات بالمأكولات هو التركيز على تناول طعام معين في وقت معين

الأجداد أيضا

ولا يقتصر ارتباط المناسبات بالمأكولات على العصر الحديث لكن هناك جذورا تاريخية لذلك ، هذا ما يؤكده الدكتور عبد العزيز عبد الدايم الأستاذ بكلية الآثار بجامعة القاهرة ويضرب مثالا على ذلك بمناسبة عاشوراء حيث كان الشيعة في مصر يخرجون ويلقون قصائد في رثاء الإمام الحسين، وكان الخليفة الفاطمي يقيم ما أطلق عليه "سماط الحزن" الذي لا يقدم عليه سوى الشعير والجبن والعدس، ويحضره الخليفة مرتديا ملابس سوداء

وحين جاء الأيوبيون غيروا عاشوراء وأصبح يوم فرح وسرور وظهرت أكلة "العاشوراء"، وارتبطت بالمناسبة منذ ذلك الحين، وشم النسيم هو عيد فرعوني قديم يأكل الناس فيه الفسيخ والبصل ويقومون بتلوين البيض وهي عادات استمرت حتى وقتنا هذا

أما الدكتور سيد صبحي "أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس ومقرر شعبة الرعاية الاجتماعية بالمجالس القومية المتخصصة" فإنه يرى أن المناسبات فرصة لتغذية الجفاء والقحط الموجودين في النفس؛ شارحًا ما يعنيه بقوله "الطعام من شأنه تجميع الناس والجلوس في جماعة، ولا يتم ذلك بدافع التهامه ولكن لتكريم

ويشير سيد صبحي إلى أن مناسبات العالم المتحضر أيضا ترتبط بالطعام ويعد ذلك من فلكلورية الشعوب عالية القيمة
ويحذر الدكتور سيد صبحي من الابتعاد عن الأصالة ويؤكد أن هذه العادات هي الخيط الأخير الذي لابد أن نتعلق به للحفاظ على هويتنا وأصالتنا واحترامنا لذاتنا

ظاهرة صحية

وتشاركه في الرأي الدكتورة سامية خضر "أستاذة الاجتماع بجامعة عين شمس" حيث ترى أن ارتباط المناسبات بأنواع معينة من الطعام ظاهرة صحية للغاية، وأمر مشروع، ويشيع البهجة في المجتمعات
ولكن العيب الوحيد في هذه الظاهرة – كما ترى أستاذة الاجتماع - هو الإسراف في كمية الطعام الذي يعتبر من سمات الدول النامية
وتشير إلى أن الفقراء أكثر إسرافا من الأغنياء لعدم قدرتهم على التنظيم

رأي الشريعة

وللتعرف على رأي الشريعة الإسلامية في مسألة ارتباط المناسبات بأنواع معينة من الطعام سألنا الدكتور سعيد أبو الفتوح "أستاذ الشريعة الإسلامية بحقوق عين شمس الذي قال "إن الإنسان إذا أراد أن يوسع على آهل بيته بأشياء غير محرمة في مناسبة ما، فلا مانع من هذا شرعا بحيث لا يصل الأمر إلى الاعتقاد بأنه من الوجب عليه أن يفعل هذا وإلا صار الأمر من قبيل البدعة التي يجب أن نحاربها

١١‏/١٠‏/٢٠٠٧

"البلح الطائر" دليل تكافل المصريين!


تثبت الأيام كل يوم أن شعبنا ما زال ينبض بالحياة، لم يفقد التنفس أو الإحساس بالحياة بعد ،وأنه شعب ودود لم تفارقه المودة والتعاطف الذي يميز أهله منذ القدم وتراجع قليلا ـ لكن لم يختفي - الاعتقاد بأننا فقدنا الإحساس ببعضنا أو تبين الشعوب بالتراحم والتعاطف بيننا إلى حد كبير

ولا شك أن البعض قد يعترض على وجهة نظري ، مبدين تأكيدهم أن المصريين اصبحوا أكثر أنانية وحرصا ، وأقل تعاونا وتواصلا مع الآخرين ، وقد يسوق هؤلاء أدلة من قبيل الحوادث التي تقع بين الحين والآخر، ونفاجأ فيها بأن أخًا قتل أخاه ، أو أبا انتزعت الرحمة من قلبه فألقى أبناءه إلى مصيرهم المحتوم

كما قد يتذرع هؤلاء بالأبناء القاسية قلوبهم على آبائهم وأمهاتهم فلجأوا إلى الاعتداء عليهم أو قتلهم و إنهاء حياتهم
ولا شك أن ذلك كله يحدث وأكثر ، فكلنا يتابع الأحداث، ويدرك أن هناك فئة من المصريين لم تعد قلوبها تنبض ، ولم يمسي الدم المصري يجري في عروقهم ، فلجأوا إلى نهب أموال أبناء جلدتهم ، بل وتفريغ بعض البنوك من كل مواردها المالية ، ويدرك المتابع العادي أيضا أن هناك نوعا من اللا مبالاة والأنانية والأنا مالية أصبح هو المسيطر على قطاع آخر من أبناء شعبنا

إلا أنني مع ذلك ما زلت مصرًا على موقفي ، مشددًا على استمرار الغالبية العظمى على أخلاقها ومبادئها وحبها الفطري للخير وخدمة الناس وإيثارهم على أنفسهم ولو كان بهم
وتعمق لدى هذا اليقين خلال هذا شهر رمضان الذي تنفسنا عبيره وتعرضنا لنفحاته خلال الأيام الماضية

ولا شك أنك -عزيزي القارئ - طالعت بعضًا من هذه السلوكيات التي سأشير إليها باختصار ، أو كنت أنت شخصيا واحدًا من أبطال هذه المواقف الرائعة التي قل أن تجدها في شعب آخر من شعوب الأرض
البلح الطائر

واسمحوا لي أن ابدأ بواحدة من الظواهر الرمضانية المميزة التي أتعرض لها يوميا ،وأكون في قمة السعادة بها

وأعني ظاهرة (البلح الطائر) وهي فكرة مصرية عبقرية تقوم خلالها أعداد لا حصر لها من الشباب عن بداية كل منطقة أو مدينة أو قرية تقع على أحد الطرق السريعة بإعداد أكياس من البلح الجيد وتوزيعها على ركاب السيارات التي تمر حاملة الصائمين والتي يتصادف مرورهم أمام تلك المناطق وقت صلاة المغرب أو قبله

بدأت الظاهرة بالبلح لكنها لم تنته عنده حيث بدأ البعض يفكر في وسائل أخرى لإفطار الصائمين إفطارا سريعا (تيك أواى) ، فأصبح هناك من يوزع العصائر الطازجة أو علب الأرز باللبن أو عبوات العصير الجاهزة ، فضلا عن المشروبين الأشهر للصائمين وهما العرقسوس والتمر الهندي

وهي الظاهرة التي أعاينها كل يوم وأسعد بها للغاية، ليس بسبب البلح والمشروبات الشهية التي أحصل عليها فقط ، حيث أني واحد من معتادى الإفطار في سيارات الميكروباص خلال رحلتي في العودة من عملي إلى حيث الإفطار مع زوجتي وأبنائي، لكن مصدر سعادتي هو أن هذه الظاهرة تثبت لي يوما بعد يوم أن الخير في هؤلاء المصريين رغم ظروفهم التي لا تسر عدوًا فضلا عن الحبيب

الصواني المغطاة

أما ثاني الظواهر فهي ما أطلقت عليها اسم "الصواني المغطاة" حيث تجد وقت الإفطار الكثير من الصواني التي يتم تغطيتها بأوراق الصحف ، وتحمل وجبات ساخنة تتجه كل يوم إلى حيث تسلم عائلات لا تستطيع تدبير إفطار لأبنائها ।وهى الظاهرة التي تعتبر استنساخا لصورة هائلة من صور التكافل التي يتميز بها المصريون في المناسبات ، خاصة في المآتم حيث يصبح من الطبيعي أن يرسل الجيران الى أهل المتوفى تلك الصواني المغطاة لتكون طعامهم في الوقت الذي يغطى الحزن على أي استعداد لديهم لإعداد طعام أو اشتهائه .ولعل هذا الاستنساخ يمثل سلوى لهؤلاء المحتاجين الذين ينتظرون مثل هذه المواسم لتناول أنواع ليست ضيفا دائما على مائدتهم

ولا تبتعد عن تلك الظاهرة ما أشاهده في شارع فيصل – بالتحديد – كل يوم قبيل الإفطار حين تتوقف سيارت فارهة أمام بعض الفقراء أو جامعي القمامة الذين ينتشرون بطول الشارع في هذا الوقت ، ليعطيهم قائد السيارة وجبة تكفى لإفطار شخص أو أكثر ، وهى ظاهرة ليست قديمة ، وأعتقد أنها استجابة طبيعية من المقتدرين على زيادة أعداد المحتاجين

الموائد العامرة

ولست في حاجة للكتابة عن " موائد الرحمن " التي أصبحت واحدة من العلامات المميزة لشهر الصيام ، وبدأت تنضم سنويا أعداد أكبر من أصحاب هذه الموائد الرمضانية التي تمتد لتشمل بكرمها أعداد أكبر من الذين بخلت عليهم الدنيا لدرجة أنها بخلت عليهم بوجبة جيدة يتناولونها في بيوتهم فاضطروا للحصول عليها في الشارع ، إلا أنه في النهاية يبقى المعنى التكافلي في تلك الموائد الرحمانية الخيرة واضحًا

شنطة الخير

وتبقى " شنطة رمضان " وهى واحدة من الأفكار العبقرية التي ابتكرها المصريون للتغلب على العوز الذي ينتاب الآلاف في نفس الوقت الذي يمنع الحياة هؤلاء من أن يتناولوا طعامهم في الشارع أو يقبلوا صدقات مباشرة من المحسنين

و" شنطة رمضان " لمن لا يعرفها هي فكرة يتم على أساسها جمع أهم ما تحتاجه البيوت خلال شهر رمضان من سمن وسكر ومكرونة وعدس وقمر الدين والبلح ، وغيرها من الأصناف التي لا يخلو منها أي مطبخ مصري خلال تلك الأيام المباركة ، ولأنهم يشعرون بمعاناة الفقراء تقوم أعداد متزايدة كل عام من المحسنين والنشطاء بتجميع هذه " الشنطة " وتوزيعها على فقراء الحي الذي يسكنون فيه

وهذه الظواهر بلا شك بعض مما يشهده الشارع المصري من علامات التكافل والمودة التي يراهن بها المصريون على أن تكافلهم لم يذوب ، وأن تعاطفهم وسعيهم للخير سيبقى الى الأبد


٦‏/١٠‏/٢٠٠٧

أمتنا في انتظار المسحراتي


يأتي رمضان كل عام ولابد أن يأتي معه، لا يكاد يفارقه أو يتأخر عنه ...إنه من العلامات المميزة لهذا الشهر الكريم في العالم العربي؛ عن المسحراتي أتحدث؛ إنه ذلك الشخص الذي لا يتوقف عن السير في شوارع المدن والقرى ليس له هدف إلا إيقاظ المسلمين لتناول السحور اقتداء بسنة النبي، ولا يهدأ المسحراتي- الذي لا يظهر إلا في هذا الوقت -عن النداء على سكان كل منطقة يمر بها داعيا إياهم إلى عدم النوم إلا بعد تناول السحور حتى يتقووا على الصيام
والمسحراتي ليس فقط الذي يوقظ الناس لتناول السحور، لأنه يوجد عدد آخر من "المسحراتية "إلا أن عملهم لا يرتبط بشهر واحد حيث يعملون طول العام، فماذا تسمي أصحاب الدعوة الذين يحاولون إصلاح الأمة ومطالبتها بالعودة إلى الله تعالى، والالتزام بشرعه، ويدعون دائما إلى الإصلاح بكافة أنواعه، مهما كلفهم ذلك من جهد ومال
وماذا تطلق على العلماء الذين لا يقبلون أن تعيش الأمة في جهل متواصل فيصدعون بكلمة الحق في وجوه الظالمين، موضحين أحكام الشرع في كافة القضايا التي تهم الناس في حياتهم وأخراهم ،هل ينكر أحد أنهم "مسحراتية " يوقظون النيام من غفوتهم، ويلكزون الغافلين حتى يفيقوا من غفلتهم، فلم يعد الوضع يتحمل أن ننام خاصة بعد أن اتضحت الأهداف الاستعمارية التي تسعى إليها أمريكا والصهاينة متعاونين مع الغرب. وكيف ترى العلماء الذين نذروا حياتهم لتحقيق التطور العلمي الذي تأمله بلادنا ؟
ويطرح تساؤل مهم نفسه .. هل يمكن أن يواصل المسلمون سباتهم العميق في الوقت الذي استيقظت فيه كافة الشعوب والأمم؟
أرأيت إلى اليابان ودول جنوب شرق آسيا وغيرها من الدول التي كانت تعاني أشد المعاناة إلا أن "المسحراتية " قاموا بواجبهم في إيقاظ تلك الأمم، ويبقى دور"المسحراتية "في بلادنا الذين ننتظر منهم جهدا أكبر في الفترة المقبلة حتى نستطيع اللحاق ما أمكن بركب الحضارة الذي غادرنا منذ فترة ليست بالقصيرة لكن
هل تحتاج أمتنا بالفعل إلى "مسحراتية" يمرون عليها لإيقاظ أبنائها ؟
وهل نومنا عميق إلى تلك الدرجة التي لم نستيقظ منها رغم جهود أعداد كبيرة من المسحراتية على مر العصور ؟ وماذا ينقص أمتنا لأن تصحو من الغفلة وتنفض التراب عن كاهلها ؟
والسؤال الأهم .. هل تستجيب أمتنا لصوت المسحراتي إذا نادى عليها ؟

هل نحتاج المسحراتي ؟
هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على عدد من المفكرين والعلماء ففي البداية يبدي الدكتور أحمد فؤاد باشا " نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق " تأييده للفكرة مشيرًا إلى أننا نحتاج بالفعل إلى مسحراتي يوقظ النائمين من أبناء الأمة، وينبه الغافلين إلى دورهم في البناء الحضاري للأمة، أو تبصيرهم بحق دينهم. ويلفت إلى أننا نحتاج من ينبه العاصين إلى إعادة النظر في أولوياتهم، حتى يروا ما الأجدر بالاهتمام لصالح دينهم ووطنهم، ولكي يتركوا الانغماس في هذا اللهو ويأخذوا الأمور بجد في عالم احتدم فيه السباق بين الدول، وانقسم العالم إلى شمال متقدم وجنوب متخلف، متسائلا : هل رضينا بتصنيفنا إلى جوار المتخلفين وركنا إلى ذلك ؟ ويرى باشا -العميد الأسبق لكلية العلوم- أن المسحراتي يجب أن يكون جرس إنذار يدق للتأكيد على أهمية العلم والعمل والأخلاق والقيم، في وقت نستورد فيه كل شيء، ولا نستطيع توفير المقومات الأساسية للحياة، مشيرا إلى أهمية الخروج من فلك التبعية، والانتقال من مرحلة الوهم إلى الواقع
ويشدد على أن الأسوأ لم يأت بعد"، وأن امتنا في انتظار غد لا يعلم حقيقته إلا الله، حيث سنواجه مشكلات عصية على الحل إن لم نفق من غفلتنا الطويلة، لافتًا إلى أن هذه النقطة حتمية لإحياء أجيالنا المقبلة، والتوقف عن التقصير الذي يعتبر جريمة بكل المقاييس في حق تلك الأجيال
ويشدد الدكتور أحمد فؤاد باشا على ضرورة الانتقال من حالة السكون المخيم على مسيرتنا الحضارية منذ فترة طويلة إلى الحركة التي هي أساس الكون
الإصلاح الشامل
ورغم تأكيده على أهمية دور "المسحراتي " الذي يرمز إلى الإصلاح إلا أن الدكتور أحمد عبد الرحمن -أستاذ علم الأخلاق- يشدد على ضرورة ألا يكون هذا الإصلاح جزئيا، عن طريق تغيير بعض الوزراء أو السياسيات في دول عالمنا الإسلامي، وألا يكون الإصلاح جزئيا عن طريق التخلص من نموذج "البغل الثقافي " الذي نتمسك به ، ويعني أستاذ علم الأخلاق بمصلح "البغل الثقافي " الهجين والاختلاط الثقافي الذي نعاني منهلافتًا إلى ضرورة أن نكون مسلمين خالصين نستفيد من الحضارات الأخرى لكن لا ننغلق على أنفسنا، وفى الوقت ذاته لا نذوب في تلك الحضارات

ويشير إلى أنه إذا عدنا للإسلام بشكل حقيقي سينبثق تعليم وأخلاق وسياسة خارجية وثقافية قادرة على الوقوف فى وجه الأخطار التي تهدد الأمة
ويشير في نفس الإطار إلى أهمية وجود علاقات ثقافية واجتماعية بين الدول الإسلامية إذا تعذرت الوحدة السياسية.
ويلفت الدكتور أحمد عبد الرحمن إلى عدم جدوى المنبهات الجزئية التي تنطلق في الأمة بين الحين والآخر، في الوقت الذي نفتقد فيه الحلول الجذرية لمشاكلنا في ظل عدم الالتزام
وأكد أن الإصلاح والنهضة مرهونان بعودتنا إلى الجذور والمنبع في الفكر والاعتقاد، التي سينبثق منها الاقتصاد والعدالة الاجتماعية والسياسية السليمة والأخلاق الإسلامية التي نصبوا إليها جميعا".
مليار مسحراتي!


أما الدكتور عبد الشافي عبد اللطيف -أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة- فضحك كثيرا حين أخبرته بفكرة مسحراتي الأمة قائلا: يا ولدي أمتنا في حاجة إلى مليار و300 ألف مسحراتي؛ لأن كل مسلم يحتاج الآن إلى مسحراتي يوقظه من غفوته.

لافتا إلى أن المسحراتي لا يمكن أن يوقظ أمة نامت من 500 سنة، ويشير إلى أهمية هذه اليقظة في الوقت الذي نخضع للهيمنة الاستعمارية البشعة من قوة قادرة.
ورغم ذلك يشدد أستاذ التاريخ الإسلامي على عدم اليأس من كثرة الأمراض، لافتا إلى أنه كما يوجد من يوقظ الأمة فهناك من يسعى إلى زيادة غفلتها والعمل على أن تظل غارقة في التخلف.
ويلفت إلى مرض مزمن يجب علاج الأمة منه، وهو الميل للتنازع والتنافر، مطالبا في الوقت نفسه بالوقوف على أرضية واحدة لأن "الأعداء يستهدفوننا جميعا " ويطالب بأن يسود التعاون والحوار بين كافة دول عالمنا الإسلامي.
ويضيف الدكتور عبد الشافي : "الأعداء وظيفتهم التفريق، تصورنا أننا خلصنا من استعمار قديم، فإذا بنا نواجه باستعمار غاشم يقوده الأمريكان الذين يصوبون مدافعهم للكتاب والسنة".
وأضاف : "يجب أن تنظر أمتنا لمصالحها وتحاول استعادة كرامتها وعرضها وأرضها.
ويشير في هذا الإطار إلى تجربة فريدة قادها الزعيم التركي "نجم الدين أربكان " حين شرع في تشكيل ما أطلق عليه "مجموعة الثمانية"، والتي ضمت عددا من الدول الإسلامية الكبيرة مثل مصر والسعودية وإيران وماليزيا لتصبح نواة للوحدة الاقتصادية بين المسلمين الذين يتجاوز عددهم المليار شخص، إلا أن هذا التجمع أجهض نتيجة الضغوط الأمريكية المكثفة.
ويشدد أستاذ التاريخ الإسلامي على أن أمتنا لم تعدم على مدار تاريخها من المصلحين الذين لعبوا دور المسحراتي مثل صلاح الدين الأيوبي وقطز وبيبرس وعماد الدين زنكي، ونور الدين محمود وغيرهم، واصفا إياهم بأنهم كانوا رجالا حموا الأمة ودافعوا عنها ضد أعدائها.
وفى المقابل يستنكر دور الأنانية التي يتمتع بها عدد كبير من أبناء الأمة في الوقت الحالي داعيا إلى عدم منح الأعداء فرصة الإضرار بنا أكثر من ذلك. نحتاج الزعيم
ومن جانبه شدد اللواء طلعت مسلم "الخبير الاستراتيجي " على أن الأمم لا يوقظها المسحراتي بل تحتاج إلى زعيم وقائد يقود الناس مبررا رأيه بأن في أمتنا يلعب الكثيرون دور المسحراتي إلا أن دورهم ليس مؤثرا لأن الناس يسمعون تنبيههم ثم يعودون إلى غفوتهم مرة أخرى، فضلا عن أن الأغلبية لا تسمع، معتبرا أن الصحفيين والمفكرين والمثقفين وقادة الرأي هم طليعة "المسحراتية".
إلا أنه يستدرك قائلا إن ذلك ليس مبررا لعدم قيام هؤلاء المصلحين بدورهم حتى لو لم يجدوا نتيجة لذلك، ضاربا المثال على ذلك بنبي الله نوح عليه السلام الذي ظل (يسحّر) قومه نحو 950 عاما ولم ينتبه منهم إلا القليل.
داعيا إلى عدم تعجل النتيجة ، لأن المجتمعات لا تصلح عن طريق أزرار يتم الضغط عليها لكنها تسير وفق قوانين محددة .
وأضاف اللواء طلعت مسلم أن اشتداد الأزمة التي تعيشها أمتنا هي من علامات انتهائها والتحول إلى وضع أفضل، مكررا التأكيد على دور الشخصية القادرة على التأثير في الناس، ووضع تصورات عملية للحل وليس مجرد تحديد مبادئ من دون توفير حلول عملية للمشاكل المزمنة التي تعانيها الأمة.
هل سنسمع النداء ؟
أما التساؤل الذي يطرح نفسه فهو: هل أمتنا ما زالت تمتلك قابلية الإنصات لصوت المسحراتية والمصلحين وهل تسمح مقوماتها بالانطلاق مرة أخرى بعد أن توقفت لفترة طويلة؟
الدكتور أحمد فؤاد باشا يؤكد أن الأمة مهيأة للاستيقاظ تماما ولا ينقصها إلا الإرادة، لافتا إلى الشعار الذي يردده المؤذن في استقبال كل يوم جديد حين يقول الصلاة خير من النوم وهو ما يعني أيضا أن الكفاح والعمل ووضع هدف حضاري لتحقيق صالح الأمة خير من الكسل والتراخي والتفريط في الحقوق .
وهو ما يوافق عليه الدكتور أحمد عبد الرحمن الذي يشير إلى أن أمتنا تعرضت لأبشع عمليات المسخ، ورغم ذلك لا تزال حريصة على دينها ، في الوقت الذي تقف في مواجهة أعتى دول العالم، وأضاف " أمتنا مستعصية على المسخ والعبث في الوقت الذي مسخت واستسلمت دول كثيرة.وقال : أمتنا الوحيدة التي تقول لا حتى الآن لكل ظالم، وهذه الأمة التي تقرأ المصحف غرس الله في قلوب أبنائها شعلة ترفض الذل والمهانة والتبعية، وهو سر إلهي في قلب كل مسلم. ولفت الدكتور عبد الرحمن " إلى أننا أمة غنية ثقافيا وخلقيا وماديا ، نحتاج فقط أن نتوحد على الإسلام .
ويتفق معهما الدكتور عبد الشافي عبد اللطيف في أن مقومات النهضة موجودة لدينا لكن أعداءنا يبذلون جهودا جبارة في بعثرة هذه الجهود وتشتيتها.
ودلل "عبد اللطيف" على رأيه بأننا نمتلك نصف الحضارة الغربية بسبب علمائنا ومبدعينا الذين يشاركون في صناعة تلك الحضارة".
ويرى أن الغرب يدرك تماما أننا قادرون على الاستيقاظ وتولي زمام الحضارة، لذلك يحاول دائما أن ينشر اليأس والإحباط في نفوس المسلمين .
ويشير في النهاية إلى التجربة الماليزية التي استجابت للمسحراتي ونفضت الغبار عن رأسها فأصبحت الآن تقف في مصاف الدول الكبيرة.
وبعد ...فما زلنا حتى هذه اللحظة في انتظار المسحراتي.. فهل سيتأخر كثيرا أم أننا يمكن أن نسمع قرع طبلته عن قريب ؟!.