٢٦‏/٣‏/٢٠١٥

عبد الله بانعمة .. الدعوة إلى الله بالإعاقة !



داعية حول محنته إلى منحة ، ويتمنى أن يسجد أثناء الصلاة!
لم يولد هكذا ولكنه عاش لمدة تسعة عشر عامًا بشكل طبيعي ، إلى أن تعرض بانعمة لحادث غير مجرى حياته وكان بمثابة الجسر الذي عبر به إلى حياة أخرى ، وفتح به صفحات جديدة ناصعة
هو نموذج متميز للشاب الذي أعادته الإعاقة إلى صوابه ، ليصبح قدوة لأقرانه من الشباب ، وموعظة عملية يتعظ بها الذين ما زالت قلوبهم تنبض بالخير وترنو إلى السير في طريق العابدين
يجوب المساجد والمخيمات الصيفية والتجمعات الشبابية والسجون داعيًا إلى الاتعاظ بالتجربة التي مر بها ،  وله مشروع واضح يتمثل في ضرورة استفادة الإنسان من النعم التي منحها الله له


هو شاب لا يختلف كثيرًا عني وعنك ، نفس الشكل والأعضاء والملابس .. إلا أن شيئًا واحدًا ينقصه ؛ إنها الحركة ، حيث يعاني من شلل كامل لا يستطيع معه أن يحرك أيًّا من أجزاء جسده سوى وجهه .. لم يولد هكذا ولكنه عاش لمدة تسعة عشر عامًا بشكل طبيعي ، وكان يمارس حياته بنفس الطقوس التي يمارسها بها عدد منا .. الأغاني والأصدقاء والخروج إلى الاستراحات والمسابح ، بل إنه كان يمارس رياضة الجمباز ورفع الأثقال والكاراتيه. لم يتخيل يومًا من الأيام أن تختفي تلك الحياة النشطة التي يعيشها أو أن وتيرتها السريعة يمكن أن تختلف . لم يكن يأبه كثيرًا بالعلاقة الطيبة التي يجب أن تربطه بوالديه ، أو بالاتصال الدائم بالله عز وجل من خلال الصلوات والمحافظة على فرائض الإسلام وسننه .
إلى هنا ليس هناك ما يثير .. إلا أن ما تعرض له الشاب عبد الله بانعمة – الذي يعرفه عدد كبير منا ، ولا يعرفه عدد كبير أيضًا – غير مجرى حياته ونقله بشكل كامل إلى رحاب الله ورياض الصالحين المتقين . لم يكن الحادث الذي تعرض له عبد الله بانعمة منذ ثمانية عشر عامًا إلا بمثابة الجسر الذي عبر به إلى حياة أخرى ، وفتح به صفحات جديدة ناصعة في مسيرته طاويًا صفحة اللهو والعبث الذي كان لا يفارقهما ليلا أو نهارًا . ليصبح الآن داعية يصطف الناس ليسمعوا حديثه المؤثر ، وسرعان ما تجد أن دموعهم انهمرت من فرط التأثر بتجربته وأمنياته التي لا يستطيع تحقيقها .
تجربة مثيرة
حين اختاره الله تعالى لهذا الامتحان لم يكن بانعمة يدرك أنه سيكون مفتاحًا لتوبة أعداد من الشباب الذين ألهتهم متع الحياة وانزلقوا في شهواتها بعيدًا عن طريق الخير والحق إلى أن استقروا بين يدي هذا الشاب الذي يندر أن يسمعه أحد ولا تسيل دموعه على خديه مهما بلغت قسوة قلبه أو بعدت مستقرات دموعه .
التقيت بانعمة متحدثًا في إحدى الندوات ، ووجدت شابًّا لا يصعب أن ترى مثله من حيث حجم الإعاقة إلا أنه من النادر أن تصادف من مر بتجربته أوعانى كمعاناته أو استفاد من إعاقته كتلك الاستفادة التي حققها .

هو نموذج متميز للشاب الذي أعادته الإعاقة إلى صوابه ، ونقلته من مربع إلى مربع آخر تمامًا ليصبح قدوة لأقرانه من الشباب ، وموعظة عملية يتعظ بها الذين ما زالت قلوبهم تبض بالخير وترنو إلى السير في طريق العابدين .
يجوب المساجد والمخيمات الصيفية والتجمعات الشبابية والسجون داعيًا إلى الاتعاظ بالتجربة التي مر بها ، والأزمة التي تعرض لها ، وله مشروع واضح يتمثل في ضرورة استفادة الإنسان من النعم التي منحها الله له ، وعدم تضييعها في اقتراف المعاصي والذنوب . مذكرًا بأن السمع والبصر والعقل والحركة كلها نعم تستوجب من الشباب استثمارها بشكل صحيح تطبيقًا لمراد الله تعالى منها . إضافة إلى ذلك يشير إلى أن هناك نعمًا خفية لا يدركها الإنسان إلا حينما تضيع من يديه ويصبح التمتع بها من ضروب المستحيل . ضاربًا مثالاً على ذلك بنعمة السجود التي لا يدرك أهميتها من يقومون بها بشكل تلقائي دون التفكر فيها ، أو هؤلاء الذين حرموا أنفسهم من التمتع بهذه اللذة الرائعة . ويلفت بانعمة إلى أنه منذ أن أصيب بالشلل الكامل يتمنى السجود في الصلاة كما يفعل الجميع إلا أنه لا يستطيع ، مُذكرًا الذي يرفض السجود أو يتكاسل عنه رغم تمتعه بالقدرة على ذلك بأنه يحرم نفسه من خير كثير لا يشعر به . محذرًا من أن استغلال الشباب لنعم الله في معاصيه قد يكون سببًا في حرمانهم من هذه النعم إلى الأبد ، وحينئذ لن يكون للندم مكان أو مناسبة .
ويشير إلى الزيارة التي قام بها إلى أحد السجون حين فاجأ القابعين داخله بقوله : أنا مسجون مثلكم ، ولكن سجنكم مؤقت وسجني دائم .. ولم يدرك هؤلاء الدرس الذي يريد توصيله لهم إلا حين أوضح مقصده بأن سجنهم عبارة عن جدران يمكن أن يخرجوا منها بعد فترة من الزمن ، إلا أنه مسجون داخل نفسه ، وهو سجن لا يستطيع أن يغادره إطلاقًا . داعيًا إياهم إلى عدم سماحهم للشهوات أن تضيف إلى سجنهم سجنًا آخر ، وأن تكون تجربتهم دافعًا لهم إلى الخروج إلى الحياة بروح وثابة جديدة لتعويض الفترة التي غابوا فيها خلف الجدران .
ويضيف الداعية الشاب عبد الله بانعمة : إن الشباب اليوم في حاجة إلى استلهام القدوة من سيرة الصحابة الكرام الذين رافقوا النبي – صلى الله عليه وسلم - خلال رحلته في نشر دعوة الله تعالى وواصلوا المسيرة من بعده في السعي إلى نشر الخير الذي جاء به الإسلام إلى سائر أنحاء الكون ، مؤكدًا أن الأهداف العظيمة التي كان ينظر إليها هؤلاء الصحابة كانت السر في الهمة العالية التي تمتعوا بها . وطالب الشباب بأن يقارنوا أهدافهم بأهداف الصحابة ليكتشف عدد كبير من الشباب أن أهدافهم لا ترقى إلى المستوى الذي تفرضه مهمتهم في الأرض وانتسابهم إلى هذه الأمة الرائدة ، فضلاً عن أن بعض الشباب لا أهداف لهم أصلاً . 

سطور المعاناة

وإذا أردنا أن نطالع بعض سطور حياة هذا الشاب – التي لا يخجل من ذكرها بل يحرص على ذلك حتى تكون دروسًا يعتبر منها أقرانه – فسوف نجد أن إصابته كانت في أعقاب مشادة حامية بينه وبين والده الذي ضبطه يدخن ، إلا أن عبد الله نفى له ذلك مؤكدًا أنه لم يقرب التدخين قط . وحينئذ دعا الأب على ابنه قائلاً " الله يقطم رقبتك " ، وكأن أبواب السماء كانت مشرعة ليُستجاب لهذه الدعوة بعدها بفترة قصيرة حين كان في أحد المسابح مع أصدقائه فسقط في المسبح من ارتفاع كبير ليستقر في المياه لمدة 15 دقيقة دون أن يدرك أقرانه أنه أصيب بالشلل الكامل ولا يستطيع الحركة أو الدفع بنفسه بعيدًا عن المياه التي أوشكت أن تقتله . ومنذ تلك اللحظة بدأت معاناته ؛ حيث ظل في المستشفى بعدها لمدة أربع سنوات أجرى خلالها ستة عشرة عملية جراحية في أنحاء متفرقة من جسده ، إضافة إلى أنه ظل لمدة تسعة أشهر لا يستطيع الكلام ، كما ثبَّت له الأطباء عددًا من المسامير لشد أجزاء من جسده استمر يعالج من تأثيرها على ظهره لمدة اثني عشر عامًا إلى أن استقر به الوضع إلى عدم القدرة على تحريك يديه أو قدميه تمامًا . ويعتبر عبد الله بانعمة أن أكثر ما يصيبه بالحسرة نتيجة هذه الإعاقة الشديدة هو عدم قدرته على احتضان أمه أو التعلق بملابسها والبكاء على صدرها ، إضافة إلى عدم تمكنه من تقليب أوراق المصحف بمفرده وحاجته إلى من يقوم له بهذه المهمة .
ويختتم عبد الله بانعمة بنصيحة يوجهها إلى الشباب من أقرانه بأن يستغلوا حياتهم بشكل سليم ، وألا يضيعوها في أمور غير مفيدة ، وأن يكون التزامهم بدينهم وبرهم بوالديهم وتفوقهم في الدراسة أو العمل هو الشغل الشاغل لهم لاستثمار تلك الحياة التي لا تستمر طويلاً.
رابط التقرير على موقع "الوعي الشبابي " المنشور يوم 26 مارس 2015