٦‏/١٠‏/٢٠٠٧

أمتنا في انتظار المسحراتي


يأتي رمضان كل عام ولابد أن يأتي معه، لا يكاد يفارقه أو يتأخر عنه ...إنه من العلامات المميزة لهذا الشهر الكريم في العالم العربي؛ عن المسحراتي أتحدث؛ إنه ذلك الشخص الذي لا يتوقف عن السير في شوارع المدن والقرى ليس له هدف إلا إيقاظ المسلمين لتناول السحور اقتداء بسنة النبي، ولا يهدأ المسحراتي- الذي لا يظهر إلا في هذا الوقت -عن النداء على سكان كل منطقة يمر بها داعيا إياهم إلى عدم النوم إلا بعد تناول السحور حتى يتقووا على الصيام
والمسحراتي ليس فقط الذي يوقظ الناس لتناول السحور، لأنه يوجد عدد آخر من "المسحراتية "إلا أن عملهم لا يرتبط بشهر واحد حيث يعملون طول العام، فماذا تسمي أصحاب الدعوة الذين يحاولون إصلاح الأمة ومطالبتها بالعودة إلى الله تعالى، والالتزام بشرعه، ويدعون دائما إلى الإصلاح بكافة أنواعه، مهما كلفهم ذلك من جهد ومال
وماذا تطلق على العلماء الذين لا يقبلون أن تعيش الأمة في جهل متواصل فيصدعون بكلمة الحق في وجوه الظالمين، موضحين أحكام الشرع في كافة القضايا التي تهم الناس في حياتهم وأخراهم ،هل ينكر أحد أنهم "مسحراتية " يوقظون النيام من غفوتهم، ويلكزون الغافلين حتى يفيقوا من غفلتهم، فلم يعد الوضع يتحمل أن ننام خاصة بعد أن اتضحت الأهداف الاستعمارية التي تسعى إليها أمريكا والصهاينة متعاونين مع الغرب. وكيف ترى العلماء الذين نذروا حياتهم لتحقيق التطور العلمي الذي تأمله بلادنا ؟
ويطرح تساؤل مهم نفسه .. هل يمكن أن يواصل المسلمون سباتهم العميق في الوقت الذي استيقظت فيه كافة الشعوب والأمم؟
أرأيت إلى اليابان ودول جنوب شرق آسيا وغيرها من الدول التي كانت تعاني أشد المعاناة إلا أن "المسحراتية " قاموا بواجبهم في إيقاظ تلك الأمم، ويبقى دور"المسحراتية "في بلادنا الذين ننتظر منهم جهدا أكبر في الفترة المقبلة حتى نستطيع اللحاق ما أمكن بركب الحضارة الذي غادرنا منذ فترة ليست بالقصيرة لكن
هل تحتاج أمتنا بالفعل إلى "مسحراتية" يمرون عليها لإيقاظ أبنائها ؟
وهل نومنا عميق إلى تلك الدرجة التي لم نستيقظ منها رغم جهود أعداد كبيرة من المسحراتية على مر العصور ؟ وماذا ينقص أمتنا لأن تصحو من الغفلة وتنفض التراب عن كاهلها ؟
والسؤال الأهم .. هل تستجيب أمتنا لصوت المسحراتي إذا نادى عليها ؟

هل نحتاج المسحراتي ؟
هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على عدد من المفكرين والعلماء ففي البداية يبدي الدكتور أحمد فؤاد باشا " نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق " تأييده للفكرة مشيرًا إلى أننا نحتاج بالفعل إلى مسحراتي يوقظ النائمين من أبناء الأمة، وينبه الغافلين إلى دورهم في البناء الحضاري للأمة، أو تبصيرهم بحق دينهم. ويلفت إلى أننا نحتاج من ينبه العاصين إلى إعادة النظر في أولوياتهم، حتى يروا ما الأجدر بالاهتمام لصالح دينهم ووطنهم، ولكي يتركوا الانغماس في هذا اللهو ويأخذوا الأمور بجد في عالم احتدم فيه السباق بين الدول، وانقسم العالم إلى شمال متقدم وجنوب متخلف، متسائلا : هل رضينا بتصنيفنا إلى جوار المتخلفين وركنا إلى ذلك ؟ ويرى باشا -العميد الأسبق لكلية العلوم- أن المسحراتي يجب أن يكون جرس إنذار يدق للتأكيد على أهمية العلم والعمل والأخلاق والقيم، في وقت نستورد فيه كل شيء، ولا نستطيع توفير المقومات الأساسية للحياة، مشيرا إلى أهمية الخروج من فلك التبعية، والانتقال من مرحلة الوهم إلى الواقع
ويشدد على أن الأسوأ لم يأت بعد"، وأن امتنا في انتظار غد لا يعلم حقيقته إلا الله، حيث سنواجه مشكلات عصية على الحل إن لم نفق من غفلتنا الطويلة، لافتًا إلى أن هذه النقطة حتمية لإحياء أجيالنا المقبلة، والتوقف عن التقصير الذي يعتبر جريمة بكل المقاييس في حق تلك الأجيال
ويشدد الدكتور أحمد فؤاد باشا على ضرورة الانتقال من حالة السكون المخيم على مسيرتنا الحضارية منذ فترة طويلة إلى الحركة التي هي أساس الكون
الإصلاح الشامل
ورغم تأكيده على أهمية دور "المسحراتي " الذي يرمز إلى الإصلاح إلا أن الدكتور أحمد عبد الرحمن -أستاذ علم الأخلاق- يشدد على ضرورة ألا يكون هذا الإصلاح جزئيا، عن طريق تغيير بعض الوزراء أو السياسيات في دول عالمنا الإسلامي، وألا يكون الإصلاح جزئيا عن طريق التخلص من نموذج "البغل الثقافي " الذي نتمسك به ، ويعني أستاذ علم الأخلاق بمصلح "البغل الثقافي " الهجين والاختلاط الثقافي الذي نعاني منهلافتًا إلى ضرورة أن نكون مسلمين خالصين نستفيد من الحضارات الأخرى لكن لا ننغلق على أنفسنا، وفى الوقت ذاته لا نذوب في تلك الحضارات

ويشير إلى أنه إذا عدنا للإسلام بشكل حقيقي سينبثق تعليم وأخلاق وسياسة خارجية وثقافية قادرة على الوقوف فى وجه الأخطار التي تهدد الأمة
ويشير في نفس الإطار إلى أهمية وجود علاقات ثقافية واجتماعية بين الدول الإسلامية إذا تعذرت الوحدة السياسية.
ويلفت الدكتور أحمد عبد الرحمن إلى عدم جدوى المنبهات الجزئية التي تنطلق في الأمة بين الحين والآخر، في الوقت الذي نفتقد فيه الحلول الجذرية لمشاكلنا في ظل عدم الالتزام
وأكد أن الإصلاح والنهضة مرهونان بعودتنا إلى الجذور والمنبع في الفكر والاعتقاد، التي سينبثق منها الاقتصاد والعدالة الاجتماعية والسياسية السليمة والأخلاق الإسلامية التي نصبوا إليها جميعا".
مليار مسحراتي!


أما الدكتور عبد الشافي عبد اللطيف -أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة- فضحك كثيرا حين أخبرته بفكرة مسحراتي الأمة قائلا: يا ولدي أمتنا في حاجة إلى مليار و300 ألف مسحراتي؛ لأن كل مسلم يحتاج الآن إلى مسحراتي يوقظه من غفوته.

لافتا إلى أن المسحراتي لا يمكن أن يوقظ أمة نامت من 500 سنة، ويشير إلى أهمية هذه اليقظة في الوقت الذي نخضع للهيمنة الاستعمارية البشعة من قوة قادرة.
ورغم ذلك يشدد أستاذ التاريخ الإسلامي على عدم اليأس من كثرة الأمراض، لافتا إلى أنه كما يوجد من يوقظ الأمة فهناك من يسعى إلى زيادة غفلتها والعمل على أن تظل غارقة في التخلف.
ويلفت إلى مرض مزمن يجب علاج الأمة منه، وهو الميل للتنازع والتنافر، مطالبا في الوقت نفسه بالوقوف على أرضية واحدة لأن "الأعداء يستهدفوننا جميعا " ويطالب بأن يسود التعاون والحوار بين كافة دول عالمنا الإسلامي.
ويضيف الدكتور عبد الشافي : "الأعداء وظيفتهم التفريق، تصورنا أننا خلصنا من استعمار قديم، فإذا بنا نواجه باستعمار غاشم يقوده الأمريكان الذين يصوبون مدافعهم للكتاب والسنة".
وأضاف : "يجب أن تنظر أمتنا لمصالحها وتحاول استعادة كرامتها وعرضها وأرضها.
ويشير في هذا الإطار إلى تجربة فريدة قادها الزعيم التركي "نجم الدين أربكان " حين شرع في تشكيل ما أطلق عليه "مجموعة الثمانية"، والتي ضمت عددا من الدول الإسلامية الكبيرة مثل مصر والسعودية وإيران وماليزيا لتصبح نواة للوحدة الاقتصادية بين المسلمين الذين يتجاوز عددهم المليار شخص، إلا أن هذا التجمع أجهض نتيجة الضغوط الأمريكية المكثفة.
ويشدد أستاذ التاريخ الإسلامي على أن أمتنا لم تعدم على مدار تاريخها من المصلحين الذين لعبوا دور المسحراتي مثل صلاح الدين الأيوبي وقطز وبيبرس وعماد الدين زنكي، ونور الدين محمود وغيرهم، واصفا إياهم بأنهم كانوا رجالا حموا الأمة ودافعوا عنها ضد أعدائها.
وفى المقابل يستنكر دور الأنانية التي يتمتع بها عدد كبير من أبناء الأمة في الوقت الحالي داعيا إلى عدم منح الأعداء فرصة الإضرار بنا أكثر من ذلك. نحتاج الزعيم
ومن جانبه شدد اللواء طلعت مسلم "الخبير الاستراتيجي " على أن الأمم لا يوقظها المسحراتي بل تحتاج إلى زعيم وقائد يقود الناس مبررا رأيه بأن في أمتنا يلعب الكثيرون دور المسحراتي إلا أن دورهم ليس مؤثرا لأن الناس يسمعون تنبيههم ثم يعودون إلى غفوتهم مرة أخرى، فضلا عن أن الأغلبية لا تسمع، معتبرا أن الصحفيين والمفكرين والمثقفين وقادة الرأي هم طليعة "المسحراتية".
إلا أنه يستدرك قائلا إن ذلك ليس مبررا لعدم قيام هؤلاء المصلحين بدورهم حتى لو لم يجدوا نتيجة لذلك، ضاربا المثال على ذلك بنبي الله نوح عليه السلام الذي ظل (يسحّر) قومه نحو 950 عاما ولم ينتبه منهم إلا القليل.
داعيا إلى عدم تعجل النتيجة ، لأن المجتمعات لا تصلح عن طريق أزرار يتم الضغط عليها لكنها تسير وفق قوانين محددة .
وأضاف اللواء طلعت مسلم أن اشتداد الأزمة التي تعيشها أمتنا هي من علامات انتهائها والتحول إلى وضع أفضل، مكررا التأكيد على دور الشخصية القادرة على التأثير في الناس، ووضع تصورات عملية للحل وليس مجرد تحديد مبادئ من دون توفير حلول عملية للمشاكل المزمنة التي تعانيها الأمة.
هل سنسمع النداء ؟
أما التساؤل الذي يطرح نفسه فهو: هل أمتنا ما زالت تمتلك قابلية الإنصات لصوت المسحراتية والمصلحين وهل تسمح مقوماتها بالانطلاق مرة أخرى بعد أن توقفت لفترة طويلة؟
الدكتور أحمد فؤاد باشا يؤكد أن الأمة مهيأة للاستيقاظ تماما ولا ينقصها إلا الإرادة، لافتا إلى الشعار الذي يردده المؤذن في استقبال كل يوم جديد حين يقول الصلاة خير من النوم وهو ما يعني أيضا أن الكفاح والعمل ووضع هدف حضاري لتحقيق صالح الأمة خير من الكسل والتراخي والتفريط في الحقوق .
وهو ما يوافق عليه الدكتور أحمد عبد الرحمن الذي يشير إلى أن أمتنا تعرضت لأبشع عمليات المسخ، ورغم ذلك لا تزال حريصة على دينها ، في الوقت الذي تقف في مواجهة أعتى دول العالم، وأضاف " أمتنا مستعصية على المسخ والعبث في الوقت الذي مسخت واستسلمت دول كثيرة.وقال : أمتنا الوحيدة التي تقول لا حتى الآن لكل ظالم، وهذه الأمة التي تقرأ المصحف غرس الله في قلوب أبنائها شعلة ترفض الذل والمهانة والتبعية، وهو سر إلهي في قلب كل مسلم. ولفت الدكتور عبد الرحمن " إلى أننا أمة غنية ثقافيا وخلقيا وماديا ، نحتاج فقط أن نتوحد على الإسلام .
ويتفق معهما الدكتور عبد الشافي عبد اللطيف في أن مقومات النهضة موجودة لدينا لكن أعداءنا يبذلون جهودا جبارة في بعثرة هذه الجهود وتشتيتها.
ودلل "عبد اللطيف" على رأيه بأننا نمتلك نصف الحضارة الغربية بسبب علمائنا ومبدعينا الذين يشاركون في صناعة تلك الحضارة".
ويرى أن الغرب يدرك تماما أننا قادرون على الاستيقاظ وتولي زمام الحضارة، لذلك يحاول دائما أن ينشر اليأس والإحباط في نفوس المسلمين .
ويشير في النهاية إلى التجربة الماليزية التي استجابت للمسحراتي ونفضت الغبار عن رأسها فأصبحت الآن تقف في مصاف الدول الكبيرة.
وبعد ...فما زلنا حتى هذه اللحظة في انتظار المسحراتي.. فهل سيتأخر كثيرا أم أننا يمكن أن نسمع قرع طبلته عن قريب ؟!.

هناك تعليقان (٢):

غير معرف يقول...

فعلا نحن فى أمس الحاجة لن يوقنا غفلتنا التى
طالت

اسلام ابوغزاله - مدونة ليه بس ؟ يقول...

ازي حضرتك يا استاذ ياسر , يا رب تكون بأفضل حال , انت وحشتني اوي يا عمنا

التدوينة ديه رائعة , ويارب يخرج من بيننا عمر بن الخطاب مرة أخرى ليعز به الاسلام والمسلين .... آمين