١٤‏/٧‏/٢٠٠٧

"المتناوى " اختار الحور العين

لم يتخيل الشاب محمد عبد الكريم المتناوى حين سعى إلى الالتحاق بكلية الشرطة وبذل في سبيل ذلك جهدا كبيرا أن نهايته ستكون بسبب يرتبط بعمله بعد التخرج من تلك الكلية ،ولم يكن يتوقع حين ودع أمه يوم 7 مارس الماضي أنها ستكون نظرات الوداع ،ولم يدر بخلده إطلاقا حين تناول الغذاء مع خطيبته سمر أنها ستكون الوجبة الأخيرة التي يتناولها معها ،بل وفى الدنيا كلها ،لا شك أن نظراته إليها وهو يودعها في ذلك اليوم كانت تحمل معان مختلفة ،رائحة الموت كانت تفوح منه منذ الصباح ،ولكنها الرائحة التي لا يشمها أحد.

ولا شك – أيضًا - أن إحساسه بالواجب هو الذي دفعه إلى الانطلاق وراء الشقيين اللذين كانا يختطفان الطبيبة الشابة ، لم يتوان أو يفكر لحظة واحدة في خطورة ما يفعل ، لم تتراقص الدنيا أمام عينيه لتدعوه إلى التشبث بها ،فما قيمة الحياة في ظل التخاذل والهوان .

أعتقد أن حلقات مسلسل حياته القصير دارت أمام عيني الشاب محمد عبد الكريم حين سقط منه سلاحه والتقطه المجرم ليطلق منه رصاصة غادرة استقرت في القلب الطيب الذي لم يعرف الحقد إليه طريقا ، كما لم يتسرب إليه الخوف إطلاقا منذ بدأ حياته التي لم يكتب لها أن تكون طويلة .

لاشك أن شريط حياته القصير الذي دار في لمح البصر أمام عينيه كان النهاية الرائعة لحياة لم تشهد إيذاء أو تعد أو ظلم لأحد ،فمنذ كان في مراحل دراسته عرف بين أقرانه بالاتزان والنبل والشهامة .

وهذا ليس غريبا عليه ؛إذ أنه من المستحيل أن يصبح الشخص شجاعا و نبيلا بين عشية وضحاها .

اسمعوا معي إلى ما رواه لي أحد زملاء دراسته في مدرسة البدرشين الثانوية ،محمود لطفي ، وهو شاب جميل في نفس عمر شهيدنا الغالي ،رافقه في رحلته الدراسية في تلك المدرسة العتيقة التي تقع في تلك المدينة التجارية النشيطة .

ويؤكد "محمود "أن زميله الراحل كان يتميز بالنبل بشكل واضح ،ودلل على ذلك بتلك المشاجرات التي كانت تنشب بينه وبين بعض المدرسين الذين كانوا يتعمدون إهانة هؤلاء الطلاب الذين جاءوا من القرى المجاورة لتلقى الدراسة في مدينة البدرشين .

ويشير إلى أن "المتناوى "لم يعرف عنه الانحراف الذي يمكن أن يخالط بعض الشباب في سني حياتهم الأولى ،ورغم حالته المادية المرتفعة و عائلته الكبيرة إلا أن ذلك لم يكن يؤثر إطلاقا على علاقاته بزملائه ،وهى العلاقة التي لم يؤثر فيها أيضا التحاقه بكلية الشرطة وما يستتبع ذلك من تغير معروف في الشخصية ،ويضرب "محمود" مثالا على ذلك بالمرة الأخيرة التي قابل فيها زميله الشهيد ،الذي كان يسير بسيارته فتوقف حين شاهد"محمود" واحتضنه داعيًا إياه إلى العودة معه إلى منزله ،ولم يكن كليهما يدرى حينئذ انه اللقاء الأخير .

وهو ما يؤكده زميلهما "محمد لبنة" الذي يشير إلى أخلاقه الراقية والتي ميزته عن أقرانه قبل وبعد التحاقه بكلية الشرطة .لافتًا إلى وفاء الشهيد "محمد "لوالدة "لبنة "التي كانت تدرس له خلال المرحلة الابتدائية ،وهو الوفاء الذي لن يضيع بالتأكيد .

ويبدو أن شهيد مدينة البدرشين أراد من حيث لا يدرى أن يضرب أمثلة لأقرانه الشباب في ضرورة التضحية من أجل الواجب والمثل العليا ،لقد استطاع الشاب الذي لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره أن يعلم الكبار كيف يكون حب الوطن والتفانى في الدفاع عن الحق .عازفًا عن الزواج بخطيبته التي كانت تتجهز لزفافه إليها بعد أسبوعين إلى الارتباط بالحور العين اللاتي كن ينتظرنه على أبواب الجنة .



هناك ٣ تعليقات:

ابوحمزة يقول...

هي ليه الحياة كده؟ .... ليه الناس الكويسة بتنتهي بسرعة سواء بالموت او بالانقضاء عليها؟. ليه ظلم الانسان لأخيه الانسان؟. ليه الانسان ممكن يخون اخوه سواء بغدر او بكل بجاحة عيني عينك؟... ليه الصراع بين الحق والباطل وديماًَ الباطل يكون له الغلبة؟...
انا عارف اننا في زمن قل فيه الاوفياء... وعند يقين بالاية التي تقول (قل جاء الحق وزهق الباطل . ان الباطل كان زهقا) .. لكن مين اللي هيظهر الحق ويمحق الباطل ؟ مين اللي هيقيم العدل و يلعن الظلم؟ مين ؟ ومين؟ ومين ؟ ومنين؟

شئ اخير بالنسبة لوفاة الشاب : ان لكل اجل كتاب

عايش في غيبوبة يقول...

اللهم إني لا اعرف هذا الرجل ـ محمد المتناوي ـ و ادعو له بظهر الغيب فاقول : اللهم تقبله مع الذين انعم الله عليهم من النبين و الصديقين و الشهداء و حسن اولئك رفيقا ، و بارك الله فيك يا أبا عمار

غير معرف يقول...

تحي طيبة لك أخي المدون الفاضل .. عبارت جميلة أظنهاأقل ما يمكن أن يقال لشاب بهذه الروعة .. رحمه الله .