١١‏/٣‏/٢٠١٦

نهاية "عكاشة" المأساوية.. قنبلة دخان فماذا وراءها؟


لم تهدأ العاصفة التي أثيرت ضد الإعلامي المصري المثير للجدل توفيق عكاشة، حتى الآن، رغم إسقاط عضويته البرلمانية بأغلبية كبيرة بلغت 465 من إجمالي 490 صوتاً، في سابقة لم تتكرر إلا نادراً في البرلمان المصري، وذلك في نهاية مستغربة للذراع الإعلامية الأقرب إلى النظام المصري، والأكثر بذاءةً وتحدياً ضد مخالفي المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد منذ نشوب ثورة يناير 2011، حتى اليوم.
هذه النهاية لم يتخيل أحد أن ينتهي إليها "عكاشة"، الذي كان يتوقع أن يتولى منصباً رسمياً عقب نجاح انقلاب يوليو 2013 في الإطاحة بالإخوان من مقاليد الحكم، بعد أن كان العنصر الأبرز في إفشال تجرتهم القصيرة، وتمكنه من إثارة قطاع من المصريين ضد أول رئيس مدني منتخب؛ بسبب طريقته البسيطة التي تمكن من خلالها من الوصول إلى ملايين المصريين الذين لم يتمكن الإعلام من تحريكهم بهذا الشكل من قبل، الذين سحبهم "عكاشة" ببساطة إلى مربع المعارضين للتجربة الديمقراطية التي كانت ما تزال في طور التكوين، وكانت تحتاج فترة من الهدوء حتى تتمكن من تحقيق الرؤية وإثبات الكفاءة.
ولعله من المدهش أن تكون "النهاية العكاشية" على هذا النحو؛ رغم أنها ليست المرة الأولى التي يثير فيها مثل ذلك الجدل، ورغم أنه ليس الوحيد في الساحة الإعلامية المصرية الذي يعبث بالأمن القومي أو الرأي العام ليل نهار، مما دعا كثيراً من المراقبين إلى البحث حول الأسباب الحقيقية التي دعت النظام المصري إلى التخلص من عكاشة في هذا التوقيت، وبتلك الطريقة المهينة التي لم يتوقعها أكثر أعداء عكاشة تطرفاً.
- حالات نادرة
إسقاط العضوية عن أحد أعضاء البرلمان المصري ليس إجراء اعتيادياً؛ إذ لم يتم تنفيذه إلا في حالات معدودة؛ منها إسقاط العضوية عن النائب كمال الدين حسين عضو مجلس النواب عن دائرة مدينة بنها بمحافظة القليوبية نائب رئيس الجمهورية الأسبق عضو مجلس قيادة الثورة، الذي كان أول من أسقطت عضويته في عام 1977 بعدما أرسل برقية للسادات انتقد فيها إدارته للبلاد قائلاً: "ملعون من الله ومن الشعب من يتجاوز إرادة أمة"، وهو ما أغضب السادات، فقرر مجلس الشعب، حينئذ، إسقاط عضويته، وفي برلمان 2003 أسقطت العضوية عن النائب عبد الله طايل رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس وعضو مجلس الشعب عن دائرة تلا بالمنوفية، الرئيس الأسبق لبنك "مصر إكستريور" وذلك عقب صدور أحكام قضائية ضده في قضايا فساد.
وفي الجلسة ذاتها أسقطت العضوية عن النائبين محمد صلاح الدين رجب، وأبو المجد محمد أبو المجد لعدم تقديم ما يفيد أداء الخدمة العسكرية، كما شهد برلمان 2005 إسقاط العضوية عن 3 من نواب الحزب الوطني عن محافظة الغربية "شمال مصر" الذين أطلق عليهم "نواب سميحة"، وهم عبد الفتاح أمين عبد الكريم، محمد زايد البسطويسي، حمادة سعد، وذلك بعد تورطهم في علاقة مع إحدى بائعات الهوى، التي فضحتهم عقب رفض أحدهم إعطاءها المبلغ المتفق عليه معها.
كما تكرر إسقاط العضوية في جلسة 29 مايو/ أيار 2007 عن النائب المستقل محمد أنور عصمت السادات، ابن شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، بسبب صدور حكم قضائي بإعلان إفلاسه لإصداره صكي ضمان قيمتهما نصف مليون دولار، أثناء عمله بالتجارة قبل دخوله مجلس الشعب في انتخابات عام 2005، ولم يوف بها.
يأتي ذلك فيما أشار الدكتور محمد نور فرحات، أستاذ فلسفة القانون بجامعة الزقازيق إلى أن هناك عواراً قانونياً ودستورياً في إجراءات إسقاط المجلس لعضوية توفيق عكاشة، لافتاً إلى أن "عكاشة ارتكب كثيراً من المخالفات التي توجب مساءلته جنائياً وبرلمانياً، ولكن لا يحق إسقاط عضويته طبقاً للقانون"، موضحاً إشكالية عدم الاعتبار بقرار المجلس في إسقاط العضو وذلك بحسب المادة (110) من الدستور، التي تنص على إسقاط عضوية النائب في حالة فقدانه الثقة والاعتبار أو افتقاده شروط العضوية أو إخلاله بواجبتها، والمادة (381) من اللائحة القديمة المعمول بها حتى الآن، تحدد آليات تطبيق هذه المادة، وتنص على إحالة النائب إلى لجنة القيم أو لجنة الشؤون التشريعية والدستورية للتحقيق معه، وحظرت نهائياً تشكيل لجنة خاصة".
- قنبلة دخان
الإعلامي توفيق عكاشة، أبدى دهشته من الحملة الشرسة التي يتعرض لها قائلاً: "أنقذت المجلس العسكري مرتين ونفذت الخطة الموضوعة بشأن السيسي لعزل مرسي ولا أعلم سر الحرب التي تشنها الدولة ضدي رغم خدماتي لها"، كما أبدى غضبه من أنهم "أكلوه لحماً ورموه عظماً" مما دعاه إلى الاستمرار في الحملة التي شنها ضد عبد الفتاح السيسي ونظامه، كاشفاً تفاصيل من انقلاب 3 يوليو 2013، منها التخطيط لحملات إعلامية لإسقاط مرسي.
عدد من السياسيين فسروا ذلك؛ مؤكدين أن ما حدث مع عكاشة "مسرحية"، وأزمة مفتعلة للتغطية على أحداث أكثر خطورة استدعت التضحية بالإعلامي الذي لم يدخر جهداً في خدمة النظام الذي كان يعتبر نفسه أحد أهم أركانه.
دهشة "عكاشة" وتأكيدات السياسيين فسرها تراجع شعبية عبد الفتاح السيسي عقب الخطاب الأحدث والأخطر الذي ألقاه قبيل رحلته الآسيوية الحالية، التي شهدت عدداً من السقطات التي انتقدها مؤيدوه أنفسهم، واعتبروا أنه وصل إلى مرحلة متأخرة من الإحباط بسبب تردي الأوضاع، إذ أشار في الخطاب أنه على استعداد لأن يبيع نفسه لإنقاذ مصر، وأن على المصريين ألا يسمعوا إلا منه، وأن "يصبّحوا" على مصر بجنيه، كما اعترف فيه بأزمات سد النهضة وقتل الطالب الإيطالي "جوليو ريجيني" والمسؤولية عن إسقاط الطائرة الروسية.
الدكتور سعد الدين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، أشار إلى تراجع شعبية "عبد الفتاح السيسي" من نسبة كانت تفوق الـ90% إلى نسبة تزيد قليلاً عن الـ60%، بحسب دراسات المركز، متوقعاً سقوط مجلس النواب الحالي على المدى القريب أو البعيد، وإجراء انتخابات مجلس الشعب خلال عامين على الأكثر.
كما اعتبر الروائي "علاء الأسواني" ما حدث مع عكاشة مسرحية، وأن أجهزة الدولة حاكت حول "عكاشة" مسرحية استخدمتها لإلهاء الشعب عن أهم الملفات الحالية مثل ارتفاع سعر الدولار وسد النهضة، لافتاً عبر "تويتر" إلى أن "مسرحية بهلوان في البرلمان" هي آخر مسرحية لإلهاء الشعب عن ارتفاع الدولار وسد النهضة، مطالباً بأن يحصل الضابط الذي قام بإخراج هذه المسرحية على مكافأة".
كما تساءلت الناشطة رشا عزب، في تغريدة عبر صفحتها على "تويتر": "هل تعلم عزيزي المواطن أنه في ظل الأزمة العكاشية أن مجلس الشعب وافق على اقتراض 3 مليارات يورو لصالح وزارة الدفاع.. الجيش بيستلف يعني"، وتفاصيل الواقعة أن البرلمان المصري اعتمد في نفس يوم إسقاط عضوية عكاشة قرضاً بين وزارة الدفاع وبنوك فرنسية بـ3 مليارات و375 مليون يورو، إذ وافقت هيئة مكتب مجلس النواب على قرار رئيس الجمهورية بشأن الموافقة على توقيع اتفاقية الاقتراض بين وزارة الدفاع ومجموعة من البنوك الفرنسية بضمان وزارة المالية، وهو ما تساءل معها الكاتب الصحفي سليم عزوز قائلاً: لماذا تقترض وزارة الدفاع من "بنوك فرنسية" 3 مليارات و375 مليون يورو؟ ولماذا الحرص على "رهن" مصر للخارج؟ للإمارات وللسعودية ولفرنسا الدولة والبنوك ولواشنطن ولموسكو ولإسرائيل، معتبراً أن "عبد الفتاح السيسي يخرق السفينة حتى لا يطمع فيها طامع".
- استمرار الأزمات
شهدت الفترة الأخيرة تزايداً في الأزمات التي تمر بها مصر، حيث ارتفع عجز الموازنة العامة خلال النصف الأول من العام المالي الجاري متأثراً بزيادة المصروفات وعلى رأسها فوائد الديون التي زادت 42% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حيث قالت وزارة المالية الأربعاء أيضاً، في تقريرها الشهري ليناير، إن عجز الموازنة العامة ارتفع في الفترة من يوليو/ تموز إلى ديسمبر/ كانون الأول 2015 ليصل إلى 5.9% من الناتج المحلي المصري، مقابل 5.4% خلال الفترة نفسها من العام المالي الماضي.
كما تزايدت حالات الاعتداء من جانب أفراد الشرطة على المصريين، وكان أحدثها اعتداء عدد من ضباط قسم الهرم على الفنانة الشابة الفنانة ميرهان حسين، كما اعتدى أحد أمناء الشرطة، الثلاثاء 1 مارس/ آذار، على الدكتور محمد طارق أثناء عمله بالمستشفى الأميري التابعة لجامع الإسكندرية، وذلك عندما حاول الأمين رفع السلاح في وجه طبيبة باستقبال المستشفى وعند دفاع الطبيب عن زميلته اعتدى عليه الأمين ليصيبه بكسر وخلع في عظام اليد اليسرى.
- عكاشة.. ومرتضى وإسرائيل
ويؤكد سيناريو "قنبلة الدخان" تصريح الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب بأن السبب في إسقاط العضوية عن النائب توفيق عكاشة هو سلوكه، وليس استقبال السفير الإسرائيلي، وهو السلوك الذي أشار نشطاء إلى أنه لا يمكن أن يكون السبب في إنهاء هذا الارتباط بين عكاشة والنظام بهذا الشكل؛ إذ لا يعتبر صاحب السلوك الأدنى بين النواب، ويفوقه في هذا الشأن النائب مرتضى منصور، الذي لا يتوقف عن تبادل السباب العلني مع عدد من الرياضيين والإعلاميين والسياسيين منذ فترة طويلة، زادت عقب انتخابه عضواً بالبرلمان، واختياره رئيساً للجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، كما أن زيارة السفير لا يمكن أن تكون قد تمت دون موافقة الجهات الأمنية في مصر، كما أشار الدكتور مصطفى الفقي، المفكر السياسي الذي قال: إن "توفيق عكاشة، لم يكن يجرؤ أن يلتقي السفير الإسرائيلي إلا بموافقة الجهات الأمنية ممثلة في المخابرات وجهاز الأمن الوطني، ومن الوارد أن يلتقي عضو البرلمان بسفير دولة، ولكن لا بد أن يكون اللقاء في الشأن البرلماني".
وهو ما دلل عليه "ابن كسبيت"، الكاتب السياسي الإسرائيلي والوثيق الصلة بمراكز صنع القرار في تل أبيب، الذي أشار في مقاله المنشور بموقع "يسرائيل بلاس"، إلى أن "عبد الفتاح السيسي على تواصل مستمر برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو"، مشيراً إلى ما كشف عنه السيسي لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في مارس/ آذار 2015 أنه يتحدث مع نتنياهو مرتين شهرياً.
وأضاف أن الحقيقة تؤكد أن السيسي يتكلم مع نتنياهو أكثر من ذلك، لافتاً إلى أن ثمة "علاقة غرامية ساخنة" نشأت بين مصر وإسرائيل رغم أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية تفرض حظراً على نشر أي تفاصيل دقيقة بشأن التعاون الأمني العميق بين القاهرة وتل أبيب.http://alkhaleejonline.net/articles/1457082788914141800/%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%83%D8%A7%D8%B4%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D9%86%D8%A8%D9%84%D8%A9-%D8%AF%D8%AE%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D9%87%D8%A7/

ليست هناك تعليقات: