١٦‏/٢‏/٢٠٠٨

لهؤلاء.. أحنى هامتى


يعايش كل منا ملايين البشر خلال سنين حياته سواء طالت أم قصرت .. يثبت بعضهم في ذاكرته ، ولا يستطيع أن ينساهم ، في حين يتلاشى الكثير من هؤلاء من تلك الذاكرة ، ولا يبقى لهم أثر .
يستفيد الإنسان من هؤلاء الذين يقابلهم ويفيدهم . وتتنوع تلك الاستفادة .. ولكن بلا شك يتميز بعض هؤلاء الذين يعاصرهم كل منا ، فيحتلون مكانة هائلة في حياتهم ، ولا ينكر فضلهم مهما مر به وبهم العمر .
وبالنسبة لى أستطيع القول أن أشخاصا كثيرين لهم الفضل في حياتى .. سواء بالتوجيه والنصح ، أو بالدعم والمساندة ، أو بالتشجيع والتأييد .
ولن أتمكن بالطبع أن أوفى كل ذى فضل فضله .. ولكنى أختار اثنين من هؤلاء لوضوح دورهم في حياتى .
معلمة من طراز خاص
هى أول من تلقفتنى بالنصح والاهتمام ... واحدة من معلمى الزمن الجميل الذى يندر – بل يستحيل- أن يتكرر نموذجهم مرة اخرى
معلّمة .. نعم معلّمة بمعنى الكلمة .. تعطيك عصارة جهدها وخبرتها في أسلوب سهل مبسط ..تشعر جميع تلاميذها بأنهم أبناؤها وليسوا مجرد أطفال يجلسون في مقاعد الدارسة .
تعدت علاقتى بالأستاذة كوثر النشوى علاقة التلميذ بمدرّسة في المرحلة الابتدائية .. فأصبحت أكثر تعلقا بها بعد انتهائى من تلك المرحلة ... حببتنى فى اللغة العربية من خلال شخصيتها الراقية.. شجعتنى على الإلقاء والخطابة من خلال الإذاعة المدرسية ، حين وجدت لدىّ اقبالا على الشعر كانت تعطينى قصائد من كتب أبنائها الأكبر منى سنًا لكى ألقيها في الإذاعة المدرسية .
ليس ذلك فحسب بل تعودت أن أذهب الى منزلها صباح كل يوم قبل بداية اليوم الدراسي لكى أقرأ عليها مقدمة الإذاعة والشعر الذى كتب القيه على زملائي في طابور الصباح .. أستطيع القول إنها لعبت دورًا كبيرًا في حياتى لا أزال أذكره رغم مرور نحو 23 عامًا على تخرجى في مدرسة عمر بن الخطاب الابتدائية بالبدرشين .
ومن يستطيع أن ينسى مثل هذه المعلمة الحنون؟ خاصة إذا قارنتها بمدرسي هذه الأيام الذين فقد عدد كبيرُ منهم احترامه لذاته وأصبح يهرول خلف الدروس الخصوصية دون عقل .
هل تتصورون أن معلمتى العزيزة لم تكن تعرف الدروس الخصوصية أو تفضلها؟ وأنها كانت تعطى فقط درساً لأضعف مجموعة في فصلنا الذى كان يتميز بكثرة المتفوقين نتيجة جهدها الوافر ، وحين كان يطلب أحد هؤلاء- الشطار- أن ينضم الى درس الأستاذة كانت تنهره مؤكدة أنها لا تعطى درساً إلا للضعاف من زملائه ، وأنه لا يحتاج درساً .
هل تتصور أيضا أن المرة الوحيدة التى ضبطتها تضرب تلميذًا منا كانت حين صفعت أحدنا على وجهه لأنه أخطأ فى شئ ما . هل تعرف من هو التلميذ ؟ إنه ابنها الذى كان زميلا لى في المقعد وصفعته لأنه "ابنها" وتصور أنه متميز عن زملائه لأنه "ابن الأبلة"!!
ما زالت أحفظ لها الجميل حتى اليوم .. أنظر إلى نافذة شقتها المتواضعة كلما مررت من أمامها ، وأحاول أن أزورها كلما تمكنت .
لقنت زوجتى منذ بداية ارتباطنا حب هذه الأستاذة رغم أنها لم ترها ، إنها بالفعل نموذج مشرف للمعلم في وقت أصبح فيه المعلمون جباة للمال قبل أن يكونوا مربين، وأعتقد أن أمير الشعراء لم يكن يقصد سواها حين أنشد يقول
قف للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
الصحفى الحنون
نموذجى الثانى هو أستاذى ومعلمى وأخى الأكبر ..هو صحفى من طراز متميز .... منظم لدرجة غير ..يأتى الى مكتبه في موعد معين ، ويغادر فى موعد معين ، يعشق عمله والعاملين معه ، يقدس أسرته وحياته الزوجية ... لا يمكنك أن تحصل منه على موعد يوم أجازته لانها مخصصة للجلوس مع تلك الأسرة ..أما غير ذلك فلا يمكن أن يرفض لقاءك لأى سبب.. أنعم الله عليه بعدد من الأبناء يقدر عددهم بالسبعة في حين منحة المئات من التلاميذ والمحبين والمرتبطين به لأقصى حد

لم تكن علاقتنا ـ وما زالت ـ بالأستاذ بدر محمد بدر علاقة مدير تحرير بمحرريين ، أو علاقة صحفى كبير بصحفيين شباب ، وإنما كانت علاقة أب بأبنائه ، يعطف على صغيرهم قبل الكبير ، تتلألأ الفرحة على وجهة اذا وجد من أمامه سعيدًا.. يبادر بالسؤال عن أحوالك وشئون بيتك ، وصحة ابنتك التى كانت تعانى آلاما في أسنانها ، وعن مولودك الذى تنتظر قدومه ، وعن الدين الذى كان يثقل كاهلك ... هل سددته كاملاً أم لا ؟
رجل متصالح مع نفسه ومع الآخرين ... يغضب اذا شعر بأن أحدًا يغمط أخر حقه ، تعرض لمشكلات رهيبة بسبب انتمائه الفكرى لكنه ظل ثابتًا . تشعر أن المحن تزيده ثباتا وقوة ... يخرج من كل محنة أقوى مما دخلها.. له طاقة عجيبة على مواجهة الصعاب وحل المشكلات، وقدرة فائقة على التسلل الى قلب من أمامه يسبر غوره ويعرف كيف يكسبه صديقًا له .
لم أعرفه يائسا رغم أنه تعرض لنكبات كانت كفيلة بالقضاء على صاحبها ، لكنه كان يستقبل تلك الأزمات بنفس مؤمنة واثقة من أن قضاء الله لابد أن ينفذ ، وأن الله لا يكتب لنا دائمًا إلا الخير .. تشرفت أنى عرفت فى خلال سنوات حياتى صحفياً من الطراز الأول وإنسانًا بدرجة امتياز .

هناك ٥ تعليقات:

محمد فيروز الكمالي يقول...

إن إخلاص هؤلاء سبب رئيس في حبك لهم ، وللاستقامة دور كبير لترك أثر

غير معرف يقول...

اخي الاستاذ ياسر احييك على هذا المقال
المفعم بحب , والذي يدل على نبلك واصالتك
واعترافك بادوار لناس مهمة في حياتك ,
شوقنا لاستاذتنا الفاضلة معلمتك حباها الله
بحبك وحب جميع تلاميذها وطلابها.
اما كلامك عن اخي ورفيق دربي ابو ايمن
الاستاذ الخلوق , فان شهادتي في حبيب عمري
بدر مجروحه , ويعلم ربي انني لم احب احد
اخوتي واشقائي مثل حبي لابي ايمن, فاشكرك يا
اخي ياسر على كلامك الجميل في زميل واخ
حبيب , للاسف اساء اليه من امتدت يده لهم ,
وتطاولوا عليه , واساءوا للرجل القراني ,
والبوا عليه حتى اعز الناس .
رحم الله الاخلاق في زمن عزت فيه الاخلاق
..........الا اخلاق ابو ايمن.
لطفى عبد اللطيف

غير معرف يقول...

اخى الحبيب ابو سمية
لاتنسى ان الاستاذة الفاضلة ام حسام كانت عملاقة وسط العمالقة الاستاذ فارس والابلة انشراح والابلة جرشام والابلة ناديه وغيرهم مما لاتسعنى الذاكرة لذكرهم فهم كانوا رموزا فى الحب والعطاء ولكن اخى الحبيب لماذا لا نفكر نحن الاجيال التى تعلمت على يد هولاء العمالقة فى وسيلة لتكريمهم الاحياء منهم والاموات

غير معرف يقول...

أحسنت إخلاصا لهم فأخلص لمن دونهم حتى يثنى عليك كما تثني أنت الآن عليهم ولعل من اعترف بالجميل هو أهلا لمن يصنع الجميل .........تذكرت أيام الطفولة وكان لي عما يكفلني في غياب والدي ... كان يرقص لفرحتي ......... ويبكي لغضبي ....... ودموعه كانت أقرب إلى أحداقه من من رموشه ....ذكرتني .....فكان حقا علي أن أثني عليه كما أثنيت على أصحاب الفضل عليك.... بارك الله فيك يا ذاكر الجميل ......... أخوك الصغير عمر منطاش

محمد يقول...

حفظ الله أخوتكم
وزادها قوة بحبه
وجمعكم بها في مستقر رحمته

الأستاذ بدر من الأشخاص الذين نحسبهم على خير

جزاك الله خيرا