إنجاز جديد ينضم الى إنجازات الحكومة التى لا تنتهى ، فبعد أن تمكنت من إصابة معظم أبناء الشعب المصرى بعدد كبير من الأمراض ، بدءا بالإحباط ومرورا بالالتهاب الكبدى الوبائى ، وانتهاء بالسرطان ، وبعد حالة اللا مبالاة التى وصل إليها معظم المصريين ، تمكنت الحكومة من الوصول إلى شريحة كبيرة جدا من أبناء هذا الوطن العظيم الذين غادروا دنيانا الى دار الخلد والبقاء ।فلم تكتف الحكومة بالتأثير المحدود لسياساتها الرشيدة على هؤلاء خلال حياتهم ، فآلت على نفسها أن يمتد هذا التأثير إلى بعد الموت .
ورغم أننا نعلم أن الشئ الوحيد الذى يبقى مع الإنسان بعد موته هو العمل الذى قدمه فى الدنيا ، فإن المصرى ينفرد باستمرار معاناته إلى ما بعد الموت .
كلامى يمكن أن يمثل لغزا ، ولكن من طالع صحف الثلاثاء 12 مارس يستطيع بسهولة أن يفك رموز هذه الكلمات الغامضة .
ما حدث باختصار هو أن عصابة من بائعى الخردة فى إحدى مناطق مصر المحروسة قررت أن تستغل حالة ارتفاع الأسعار المجنونة فى كل السلع ؛ فلجأت إلى تحطيم 15 مقبرة والاستيلاء على أبوابها الحديدية ونزع الأسياخ من الخرسانة التى تغطى هذه المقابر ، الأمر الذى يعنى أن ارتفاع الأسعار لم يؤثر فقط على الأحياء ، ولكنه امتد إلى الموتى أيضا ، ولم يشفع لهم انتهاء أعمارهم وانتقالهم من دار الشقاء إلى دار الخلود فى النجاة من لهيب الأسعار الذى يلتهم الأخضر واليابس ، وبدلا من أن يذهب الناس إلى المقابر لقراءة الفاتحة والدعاء للموتى أصبح البعض يتجه إليها وفى نفسه غرض آخر، وهو الحصول على أرباح زهيدة مقابل انتهاك حرمة هؤلاء الموتى ، والعبث فى القبور التى يرقدون فيها بعد أن عانوا الأمرين على ظاهر الأرض منذ ميلادهم وحتى موعد الرحيل .
ويأتى ذلك بعد أن وقف معظم هؤلاء الموتى – قبل أن يرحلوا - فى الطوابير الطويلة التى لا آخر لها فى مصر ، وشربوا من مياهها الملوثة التى لا تصلح للاستخدام الآدمى ، ويمكن أن يكون بعضهم أصابته باقة من الأمراض بسبب الجو الملوث أوالإجراءات الروتينية فى العلاج ، أو ارتفاع أسعار الدواء ، أو الطعام المسرطن .
وليس مستبعدًا – كذلك- أن يكون أحدهم واجه ما نعرفه جميعًا فى أقسام الشرطة أو مقرات الاحتجاز ، أوأن يكون قد مات على أرضية إحدى هذه الأماكن نتيجة الحرق أو الصعق أو الضرب .
بل إنه ليس مستحيلاً أن يكون أحدهم لقى ربه نتيجة رصاصة من مسدس ميرى خلال إحدى الانتخابات النزيهة فى بلدنا العزيز ، أو ألقى بنفسه من فوق إحدى الكبارى التى لا حصر لها حسرة على مستقبله الضائع ، أو هروبًا من المصروفات التى تحتاجها أسرته ولا يستطيع تدبيرها .
ومن يدرى أيضًا ربما يكون أحدهم ضحية من ضحايا طوابير الخبز ، أو أحد المكتئبين الذين تخلصوا من حياتهم لأنهم لم يقبلوا فى وظيفة جيدة بسبب عدم توافر " واسطة " جيدة تساندهم ويكون " كارتها " مسوغًا أول للتعيين .
ومهما كانت الأسباب التى رحلوا عن الدنيا بواسطتها فإن هؤلاء الموتى ظنوا أن متاعب الدنيا انتهت ، وأن عليهم فقط مواجهة حسابهم على ما قدموه ، ففوجئوا بأن معاناتهم ما زالت مستمرة ، وأن عليهم دفع فاتورة ارتفاع الأسعار مثل الأحياء ، أولسنا كلنا فى الهم مصريون يجمعنا نسب وطين ؟
ألا معذرة أيها الموتى الذين لم تتمكن الظروف التى يرقدون فيها من حمايتهم فى مجتمع أصيب أبناؤه بحمى ارتفاع الأسعار ، فلم يبق هناك فرق كبير بين الموتى والأحياء .
ففى الوقت الذى تنتهك فيه حرمة مقابر الموتى ، ويعيش عدد كبير من الأحياء حياة الموتى ، حيث تحاصرهم الأمراض والمشكلات من كل جانب . فإن البعض يعيش حياة الملوك والأمراء .
وهذا سر جديد من أسرار الشخصية المصرية أعتقد أن خبراء الاجتماع عليهم أن يدرسوه باستفاضة .
هناك تعليق واحد:
Hello. This post is likeable, and your blog is very interesting, congratulations :-). I will add in my blogroll =). If possible gives a last there on my blog, it is about the Perfume, I hope you enjoy. The address is http://perfumes-brasil.blogspot.com. A hug.
إرسال تعليق