٧‏/٨‏/٢٠٠٧

سراب الحاج متولى



هذا الموضوع تم نشره اليوم على موقع عشرينات ، وأتوقع أن يثير جدلا واسعا ، وهذا بلا شك أمر صحى ، فالاختلاف فى الآراء سنة كونية ......


سراب الحاج متولي !
ياسر أبو العلا – ولاد البلد – 6/8/2007

دائما ما تثور مناقشات بلا نهاية بيني وبين أصدقائي حول تعدد الزوجات.. كثير منها يثور في الأفراح حين أتجرأ وأقول لأحدهم ( عقبى لأولادك ) فيرد في استهجان بسرعة .. بل قل ( عقبى لك ) رغم أنه متزوج بالفعل ، ويمكن أن يكون لديه من الأبناء عدد لا بأس به. وهنا تنشب الخلافات المزمنة وتنتهي إلى ما لا نهاية .. فلا هم يقتنعون بوجهة نظري ، ولا أنا أميل إلى رأيهم . المثير أن كل الذين يؤكدون رغبتهم العارمة في الارتباط بزوجة أخرى أحسب أنهم من السعداء في حياتهم الزوجية .. لا ينقصهم شيء .. زوجة جميلة .. أبناء يسرون الفؤاد .. ويتمناهم أي شخص .. منزل هادئ لا تفوح منه روائح المشاكل . لذلك أتعجب من إصرار بعض أصدقائي على الاقتران بثانية ..
حجج واهيةوالحق أنهم لا يعدمون الحجج .. أو هكذا تبدو لهم أنها حجج .. فهذا ( ح ) الذي يبرر لنفسه دائما أنه يرغب في الزواج من ثانية حتى يتمكن من الإسهام في حل مشكلة العنوسة المزمنة !! وبالفعل .. تقدم لعدد من الفتيات - اللائي لم يسبق لهن الزواج – للارتباط بهن ، وذلك بعلم زوجته ، إلا أن كرامة هؤلاء الفتيات و أهلهن وقفت حائلا دون ذلك حيث أبوا على بناتهن أن يوضعن في هذا الموقف المحرج . أما صديقي الآخر ( ر ) فلا يكف عن إظهار رغبته في الزواج ثانية .. وهو يبدو مقتنعا بذلك إلى أشد درجات الاقتناع ، فلا تجده يفتر عن ذكر تلك الرغبة في كل مجلس ، ويذكرني في ذلك بالمريض الذي أوصاه عبد المنعم مدبولي في أحد أفلامه أن يردد ( أنا طويل وأهبل أنا مش قصير قزعة ) .ولكنه حتى اليوم لم يتمكن أن يزيد من طوله سنتيمترات ، كما لم يتمكن صديقي من الزواج بالأخرى التي يتمناها . أما مثالي الثالث فهو أحد أصدقائي الريفيين الذي يعتقد من يعرفه أنه متزوج من ثانية بالفعل من كثرة حديثه عن الزواج الثاني و إيجابياته وضرورته في مثل حالته ، وبالفعل خاض صديقي إحدى التجارب ، وكانت فاشلة بدرجة الامتياز إلى أن ذلك لم يغير من قناعته شيئا . وبالتأكيد فإن ذكري لهذه الأمثلة ليس حصريا . فهناك العشرات غيرهم ممن أعرف يتوقون إلى الزواج الثاني ، ومنهم من تعدى تلك المرحلة إلى التنفيذ بالفعل ، إلا أن التجارب الناجحة في هذا الإطار لا تتعدى أصابع اليد الواحدة في حين تتعدد التجارب الفاشلة التي تسرع فيها الأزواج إلى الارتباط بأخريات إلا أنهم يتراجعون بعد أن تتكشف عواقب تلك الخطوة ، والتي لا تكون محمودة في معظمها .
انهيار أسرة سعيدةوليس أدل على ذلك بصديقي المحاسب النابه الذي كان وزوجه نموذجا في السعادة الزوجية ، بل إنهما كانا يدرسان قواعد تلك السعادة لأصدقائهما المتزوجين حديثا ، إلى أن تغير كل شيء .. ففي أحد الأيام فاجأ الزوج الحبيب الجميع بأنه تزوج من أخرى ، وفي الحقيقة هو لم يتعمد أن يفاجئهم لأنه فوجئ مثلهم أن الجميع علم بذلك الخبر رغم حرصه الشديد على كتمانه . وحينئذ ( عينك ما تشوف إلا النور ) فقد انقلب البيت الهادئ إلى ثورة عارمة ، وتحول العش الجميل إلى وكر للخلافات والعراك الذي لا ينتهي . كان الزوج بين خيارين إما زوجته التي كافحت إلى جواره منذ تخرجهما معا في الجامعة إلى أن أصبح ذا شأن ، وأولاده المتميزون على مستوى المدينة التي يسكنون فيها ، وبين زوجته الجديدة التي كانت تحمل في يديها طفلين يحتاجان إلى الرعاية والاهتمام . وبالطبع اختار الخيار الأول – مرغما ـ وحتى الآن لم ترمم حياته أو تعود لسابق عهدها . وكيف تعود بعد أن فض غلاف الهدوء والسكينة عن هذا العش الذي كان سعيدا ؟وأتعجب – في الحقيقة- من هذه النماذج التي لا يترك فيها الزوج التفكير في شريكة أخرى لحياته رغم عدم أهمية ذلك بالنسبة له ، وأرى أنه طالما كان الإنسان سعيدا في حياته هانئا بأبنائه ، مستقرا في زواجه ، فلا داعي لأن يهدم المعبد فوق رأسه .
الحاج متولي وأعتقد أن نموذج الحاج متولي الذي سوق له التلفزيون لا يصلح للتعميم . لأنه نموذج مكتوب على الورق ، وما أسهل أن تكتب على الورق أسعد قصص الحب والنجاح ، ولكن ذلك في الواقع غير حقيقي إلى أبعد الحدود .. فهذا النموذج ( الحاج متولي) غير قابل للتطبيق .. رغم أنه أغرى كثيرًا من الأزواج على المغامرة بخوض نفس التجربة ، وإن لم تكن بنفس العدد بالطبع . ما الداعي لأن يهدم الإنسان مسيرة زواجه التي بدأت حين كان معدما طمعا في الحصول على متع محدودة -وهي بالطبع ليست حراما – وإنما أتحدث عن الواقع والعرف الذي يجب ألا ننكرهما أو نتنصل منهما . نكران الجميل واضح في قضية الزواج الثاني ، وأربأ بالرجال أن يقعوا في هذا الشرك الذي يرسم لهم خيوط السعادة الزوجية والعيش على طريقة ( سي السيد ) الذي يتنقل من مكان إلى مكان بين زوجاته المتعددات .. إلا أنه ما يلبث أن يجد ذلك سرابًا عند أول مكالمة تلفونية تصل إلى زوجته الأولى يخبرها فيها أحدهم بأن ( البيه متجوز عليكي ) .

٢‏/٨‏/٢٠٠٧

محمد الديب .. طموح له نهاية


لم يدر في خلدي أبدًا أن أكتب عنه أو أرثيه بعد رحيله عن دنيانا ، حيث كانت حيويته ونشاطه لا تخطئها عين ، ولا يتطرق إلى احد من معارفه خاطر أنه قد يسقط فجأة ويتركنا إلى أن نجتمع مرة أخرى في دار الخلود .
كان محمد عبد الحليم الديب " ابن مدينة البدرشين " شابًا نابهًا يحب الحياة ويضع خططًا لا حدود لها لمستقبله ؛ إلا أن يد القدر كانت أسرع منه فلم يتمكن من أن يحقق من تلك الطموحات إلا القليل .

حين بدأ العمل معي في مجال الصحافة لحظته وثابًا نبيهًا ، يجيد التعامل مع الجميع يستفيد منهم ويفيدهم .
كان لماحًا ذكيًا يقدر لرجله قبل الخطو موضعها .. يتطلع دومًا إلى الأفضل ،حتى يصل إليه ؟
كان حلم حياته أن يعمل في مجال الإعلام ، فأفكاره في هذا المجال كانت رائعة ، وطموحاته لم يكن يحدها مؤهل أو خبرة ، فبالإصرار يهون كل شئ .
حين اتجه إلى مبنى التليفزيون كانت تداعب خياله أحلام الشهرة والنجاح.
حارب كثيرا حتى ثبت أقدامه في هذا المبنى العتيد الذي لم يكن يغادره إلا إلى النوم تقريبا ، إلى أن تم تعيينه في إحدى القنوات المتخصصة التي عمل بها منذ بداياتها الأولى .. ولكنه لم يكد يفرح بهذا التعيين طويلا .. فقد التقطه الموت ليضع اللمسات الأخيرة لتلك الحياة التي لم تطل . حيث غيب الموت " محمدًا " وسنه لم يتجاوز الثلاثين .
إنها إرادة الله التي لا يجوز معها المجادلة أو المراجعة ، وكم كانت لوعة الفراق قاسية على أمه وأبيه الذين كان فلذة كبدهما الوحيد ، وكان فرحتهما اليتيمة في هذه الدنيا التي اعتدنا منها أن تفقدنا كل يوم عزيزًا أو غاليًا دون سابق إنذار .
حين سمعت خبر وفاته كانت الدهشة هي المسيطرة إلى أن ذهبت إلى بيته ، واستوعبت غيابه الحقيقي ، وحينها لم أتمالك نفسي من النحيب عليه . وانفجرت الدموع في عيني دون أن اعرف سبيلا لوقف هذا الشلال المتدفق من العبرات .
سلام عليك يا " محمد " في دار الخلود ، فقد عاينت الحقيقة الوحيدة التي نتغافل عنها وهى أننا سنفارق أحبابنا بإرادتنا أو رغمًا عّنا .